قال بعضهم : لا ينال خيره وبركته إلا من طهّره يوم قسمته عن الشقاوة ، وخلقه يوم خلقه مطهّرا من المخالفات.
وقال ابن عطاء : لا يفهم إشارات القرآن إلا من طهّر سره عن الأكوان بما فيها.
وقال الجنيد : إلا العارفون بالله ، المطهّرون أسرارهم عمن سواه.
وقال جعفر : إلا القائمون بحقوقه ، المتّبعون أوامره ، الحافظون حرماته.
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧))
قوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) : افهم أن قرب الله بالتفاوت ، قرب بالعلم ، وقرب بالإحاطة ، وقرب بالفعل ، وقرب بالصفة ، وقرب بالفهم ، وقرب باللطف والمسافة والمكان منفيّ عن ذاته وصفاته ، لكن تجلّى من عين العظمة لقلوب بعض ؛ لإذابتها برؤية القهر ، ولقلوب بعض تجلّي من عين الجمال ؛ ليعرّفها لطف الاصطفائية ، وذلك القرب لا يبصره إلا أهل القرب ، وشواهده ظاهرة لأهل المعرفة.
قال ابن عطاء : إنما ذكر هذا ليعرفوا قربه منهم ، لا أنّ بينه وبينهم مسافة ، ولكن خطاب التحذير والترهيب.
(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩))
قوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) أي : فأما إن كان من العارفين بالله المقربين بقرب الله إياه قلبه روح الوصال ، وريحان الجمال ، وجنة الجلال لروحه روح الأنس ، ولقلبه ريحان القدس ، ولنفسه جنة الفردوس.
قال السلمي : «الروح» لقلوبهم ، و «الريحان» لنفوسهم ، و «الجنة» لأبدانهم.
قال ابن عطاء : «الروح» النظر إلى وجه الجبار ، و «الريحان» الاستماع لكلامه ، «وجنة نعيم» هو ألا يحتجب العبد فيها عن مولاه إذا قصد زيارته ، وللمقربين ذلك في دار الدنيا روحهم المشاهدة ، وريحانهم سرور الخدمة ، وجنة نعيمهم السرور بالذكر.
وقال الأستاذ : «روح» للعابدين ، و «ريحان» للعارفين ، و «جنة نعيم» لعوام المؤمنين.
(وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤))
قوله تعالى : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) أي : وأما إن كان من أهل السعادة هذا المتوفى ويمن العناية وصل إلى دار السلام ، ولقاء جلال