المواليد بنيرات أفعاله وواضحات آياته ، ألا ترى كيف تحمل الأشجار من نسائم اللواقح ، وتضع حملها في الربيع ، فتهتزّ الأرض بأنواع الرياحين ، وذلك من بركة وصول شمال جماله إليها ، ألا ترى كيف قال : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ)؟!
قال ابن عطاء : يعطي كل عامل بركات أعماله ؛ فيلقي على لسان الخلق مدحه ، وعلى قلوبهم هيبته.
(بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩))
قوله تعالى : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) : بيّن أن الشك في الله يوجب الغفلة عن الله.
قال محمد بن حنيف ـ رحمة الله عليه ـ : من استولت عليه الغفلة أدّاه ذلك إلى الشك ، ومن لزم الشك كان بعيدا عن عين الصواب ، قال الله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ.)
(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١))
قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠) : ظاهر الآية دخان الكفرة من الجوع في الظاهر ودخان بواطنهم ودخان النفس الأمّارة والأهواء المختلفة التي تغير سماء قلوبهم بغبار الشهوات وظلمة الغفلات.
قال سهل : الدخان في الدنيا قسوة القلب والغفلة عن ذكر الله.
(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠))
قوله تعالى : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) : ضعف الإيمان ما يكون عند نزول البليات ، بل الإيمان الأصلي ما يكون أعظم في العافية مما يكون في البلاء ، ولا ينكشف العذاب والحجاب إلا بصدق الافتقار والحياء من الله في النظر إلى غيره.
وقال بعضهم : لا يستكشف العذاب إلا بتمام الإيمان وصحة الالتجاء والرغبة والدعاء.
(وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣))