في السر ، وجملتها قسم أي : بحقّ الوحي السري والمحب والمحبوب والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ، الليلة المباركة ليلة المعراج التي وصل الحبيب إلى الحبيب ، وذلك مبارك عليه ؛ حيث رأى ربه ، وأنزل على قلبه القرآن من سماء الأزل إلى روحه ، ووصل إليه بركات جماله وخطابه ، سمع من الحق كلامه شفاها ، ونزل إليه من الحق أنوار كلامه ، وكلمه تسعين ألف كلمة ، وما نزل القرآن في أي وقت كان إلا وذلك الوقت مبارك عليه وعلى أمته ، وليلة نصف شعبان ليلة يتجلى الحق بعزته وجلاله للعالمين ، ألا ترى إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تعالى ينزل من السماء في ليلة النصف من شعبان» (١) ، وما بارك تلك الليلة ؛ حيث يصل بركات جماله إلى كل ذرة من العرش إلى الثرى ، وفي تلك الليلة اجتماع جميع الملائكة في حظيرة القدس.
قال ابن عطاء : ليلة مباركة لمجاورة الملائكة ومقارنتهم.
وقال سهل : أنزل القرآن في هذه الليلة من اللوح المحفوظ على روح محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو الروح المبارك ، فسمّى الله الليلة مباركة لاتصال البركات بعضها ببعض.
قال جعفر الصادق : هذا من العلوم المكتومة ، إلا أن العلماء يخبرون عنها بلطائف الفهوم ، فالحاء هو وحي كتابه المنزل على رسوله صلىاللهعليهوسلم ، والميم كتابه إلى محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقال أيضا : إن نزوله كان ليلة القدر.
وقال الأستاذ في (حم) : فالحاء تشير إلى حقه ، والميم تشير إلى محبته ، ومعناه : وحقي ومحبتي لعبادي وكتابي العزيز إليهم إني لا أعذّب أهل محبتي بفرقتي ولا بشيء دونها.
وقال في قوله : (لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) : لأنها ليلة افتتاح الوصلة لأهل القربة.
(فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨))
قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٤) : يفصّل في تلك الليلة أمور الخلق من العرش إلى الثرى ، ويجددها على العقول والأرواح والقلوب على عيون الملائكة قضيات الأولية ؛ لإدراك فهومهم صورة المقدرات ، ويعطى كل ذي فضل جزاءه من القربات والمداناة ، ويوصل بركات جماله إلى كل ذرة في العالم ، فتحملها ببركاته حتى تلد في أوان
__________________
(١) رواه العقيلي في الضعفاء (٣ / ٢٩).