قال ابن عطاء في قوله : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) : خاطب العوام بالانتصار بعد المظلمة ، وأباح لهم ذلك ، واختار للنبي صلىاللهعليهوسلم الأخصّ ، وندب إليه بقوله : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) ، ثم لم يتركه ومخاطبة الندب حتى أمره بالأفضل وحثّه عليه بقوله : (وَاصْبِرْ.)
وقال جعفر : صبر على إيذائه ، وعفا عن مؤذيه ؛ ذلك من أحكم الأمور في الدين وأحمدها عند الله وأجلّها عند الناس.
قال أبو سعيد القرشي : الصبر على المكاره من علامات الانتباه ، فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع أورثه الله حالة الرضا ، وهو أجلّ الأحوال ، ومن جزع من المصائب وشكا وكّله الله إلى نفسه لم تنفعه شكواه.
قال الأستاذ : صبر على البلوى من غير شكوى ، وعفا بالتجاوز عن الخصم ، فلا يبقى لنفسه عليه دعوى ، بل يبرئ خصمه من جهته عليه من كل دعوى في الدنيا والعقبى ، (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.)
(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠))
قوله تعالى : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) : الأمر للعموم في إجابة دعوته ، ولا يسمع نداءه إلا من اصطفاه في الأزل لمحل خطابه وسماع دعائه ، وكيف يجيب من لم يسمع بأسماع التنبيه والمعرفة والمحبة والفهم هواتف أطيار الإلهام والخطاب والكلام ، من خاطبه الحق بلا واسطة ؛ فيسمع أيضا الخطاب بالوسائط ، من كان خاليا عن استعداد قبول الخطاب لا يجيب ، ولو ناداه الحق بكل لسان ؛ قال الله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ.)
قال الجنيد : استجابة الحق لمن يسمع هواتفه وأوامره وخطابه ، فتتحقق له الإجابة بذلك السماع ، ومن لمن يسمع الهواتف كيف يجيب ، وأنّى له محل الجواب؟!
وقال الأستاذ : الاستجابة الوفاء بعهده والقيام بحقه والرجوع من مخالفته إلى موافقته.