(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠))
قوله تعالى : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : ما أوتيتم من المقامات والدرجات والكرامات والمعاملات فمتاع المتمتعين بذكر الله ، وما عند الله من كشف مشاهدته وظهور أنوار وصاله وعجائب علومه الغيبية وأحكامه المخفية للذين شاهدوا الله وعليه يتوكلون في امتحانه إياهم واستغراقهم في بحار ألوهيته ، فهو بجلاله ورحمته يخرجهم من لججها إلى سواحل وصاله ؛ حتى لا يفنوا فيه ، ويتمتعون بجماله في بقائه.
قال بعضهم : ما ظهر من أفعالك وطاعتك لا يساوي أقلّ نعمة من نعيم الدنيا من سمع وبصر ، فكيف ترجو بها النجاة في الآخرة ؛ لتعلم أن النعم كلها بفضل لا باستحقاق.
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦))
قوله تعالى : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) أي : بعد ظلم الظالم عليه ، هذا بيان من لطف عدله ، تعالى الله من أن يجور ، عدل كما حكم ، وصرح بخطابه طرفين من العلم : بيان شرف الظالم ؛ إذ جاوز الأمر وجار في العبودية ، وبيان ضعف المظلوم وقلة صبره في البلاء ، وانخلاعه من شعار الأنبياء والصديقين وأولي القوة من الرسل ، وأولي العزائم من أهل الاستقامة ؛ حيث صبروا في احتمال الجفاء ، وغفروا لمن لم يعرف أقدارهم ، وبذلك وصفهم الله بقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٣) ، وما قال لحبيبه : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) ، والصبر في البلاء من نعوت أهل الرضا ، والعفو من شعار أهل الكرم والرضا.