معناه ينزل غيث رحمته على قلوب أوليائه ، فينبت فيها التوبة والإنابة والمراقبة والرعاية.
(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١))
قوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) : إن الله سبحانه قدّر المقادير في الأزل ، ومن مقاديره المقدرة كسب العباد ، كما قال تعالى : (خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) ، وجزاء اكتسابهم من الثواب والعقاب منها صدر ، فإذا كسب العبد شيئا من الجرائم فهي من أسباب القهر ، ويكون محجوبا به ، فإذا كان أهلا لله تعالى يعاقبه الله في الدنيا ببعض المصائب ، ويخرجه به من ذلك الحجاب ، وإن لم يكن من أهل الحق فمصائبه إمهاله له في ضلالته ، وإن ترك العبد الصالح بما بدا منه المعصية يكون محجوبا بها ، ولكن يداويه ببعض الامتحان حتى يكون صافيا عن كدر الخليقة ، ولكن بكرمه وفضله لا يؤاخذه إلا بقليل من عمله ، (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣٠) ، وبعفوه ورحمته يخرجهم من ظلماتها ، ولم يأخذهم بالقليل سخطه ، لكن أراد أن يعرف العبد بالمصيبة عيوب نفسه ومواقع خطره.
قال ابن عطاء : من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه ، وإنما عفا عنه مولاه أكثر كان قليل النظر في إحسان ربه إليه ؛ لأن الله يقول : (وَما أَصابَكُمْ) ، ومن لم يشهد ذنبه وجنايته ويندم عليه لا ترجى له النجاة من المصائب والفتن.
(ومن ءايته الجوار في البحر كالأعلم (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥))
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) : في هذه الآية إشارة إلى أن سفن قلوب العارفين في بحار أنوار ذاته وصفاته ، تجري على اضطراب من غلبات صدمة عواصف سطوات أحديته وأزليته وأبديته ، من حيث إنها محدثة عاجزة خائفة من قهر وعظمة والفناء في معارف قاموس كبريائه ، فيتلطف الحق بإمساك قهر عظمته عنها ، فيمسكها بنور جماله ، (فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ) : سواكن في جريانها بشمال جماله ، ولولا فضله ورحمته لتفتتت في كشوف العظمة وبروز الكبرياء ، وهذه الأحوال السنية لا تكون إلا لصبّار بالحق في الحق ، شكور برؤية فنائه في بقائه ووجوده ، قائم بجوده ، قال الله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٣٣).