وعملوا في بذل وجودهم لحب وجهي الكريم ، واقتحموا في بلياتي بصالح أعمالهم وحسنات نياتهم ، فيجازيهم بما هو أهله ، قال الله : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) أي : علما ومعرفة بنا وبما لدينا وتوفيقا للزيادة والرغبة في طاعتنا ، ونزيده لطفا وكرما من عندنا ، ونلبسه نورا من نورنا ، ونجعله حسنا بحسننا.
قال بعضهم : من تقرّب إلينا بطاعتنا أكرمناه بالتوفيق ، وزدناه من الإحسان إليه ، وهو أن نكرمه بالإقبال علينا والاحتراز عما سوانا.
قال الأستاذ في قوله : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي : الرؤية.
(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩))
قوله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا) : أراد بالرزق في الحقيقة والبسط كشف مشاهدته على السرمدية في هذا العالم للعارفين ، يشكرون ، ويشطحون ، ويعربدون ، ويخرجون من سكرهم وغلبتهم عن الحدود والأحكام ، ويدعون بالدعاوي العظام ، ويفسد بهم عقائد العباد ، ولكن يكشف لهم على ما وافق قوة أسرارهم وثبوت أرواحهم حتى لا يفنوا في سبحات جلاله ، وأنهم يعطشون إلى بحار جمال مشاهدته ؛ لأنه خبير عالم بضعفهم عن تحمل أثقال الربوبية ، بصير بنياتهم وشكوتهم في خلواتهم ؛ حيث يسألون أن يفنوا في وجوده ، وذلك حين أبطأ هجوم الواردات عليهم ، وهم وقعوا في بحر اليأس بقوله : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) أي : يكشف لهم أنوار جماله بعد أن آيسوا من وجدانها في مقام القبض ، وينشر عليهم لطائف بسط القرب ؛ لأنه وليهم وحبيبهم ، محمود بلسان افتقارهم ومعاينة اللقاء لهم.
قال ابن عطاء : إن الله تعالى يربي عباده بين طمع ويأس ، وإذا طمعوا فيه آيسهم بصفاتهم ، وإذا آيسوا أطمعهم بصفاته ، وإذا غلب على العبد القنوط وعلم العبد ذلك وأشفق منه أتاه من الله الفرح ، ألا تراه يقول تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) (١) :
__________________
(١) أي : يئسوا منه وتقييد تنزيله بذلك مع تحققه بدونه أيضا لتذكير كمال النعمة ، فإن حصول النعمة بعد اليأس والبلية أوجب لكمال الفرح فيكون أدعى إلى الشكر.