الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢))
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) : حرث الآخرة مشاهدته ووصاله وقربه ، وهذا للعارفين ، وحرث الدنيا الكرامات الظاهرة ، ومن شغلته الكرامات احتجب بها عن الحق ، لو يزيد من حرث الدنيا فهو معرفة الله ومحبته وخدمته ، وإلا فلا يزن الكون عند أهل المعرفة ذرة.
قال بعضهم في هذه الآية : من عمل لله محبة له لا طلبا للجزاء صغر عنده كل شيء دون الله ؛ فلا يطلب حرث الدنيا ولا حرث الآخرة ، بل يطلب الله من الدنيا والآخرة.
قال سهل : حرث الدنيا القناعة ، وحرث الآخرة الرضا.
وقال أيضا : حرث الآخرة القناعة في الدنيا والمغفرة في الآخرة والرضا من الله في كل الأحوال ، وحرث الدنيا قضاء الوطر منها والجمع منها والافتخار بها ، ومن كان بهذه الصفة فما له في الآخرة من نصيب.
قال الأستاذ : نزيده اليوم في الطاعات توفيقا ، وفي المعارف وصفاء الحالات تحقيقا ، ونزيده في الآخرة ثوابا واقترابا وفنون النجاة وصنوف الدرجات.
(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣))
قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) : قدّس الله تعالى بهذه الآية حال نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يكون قلبه مشوبا بشيء من الحدثان في دعاء الخلق إليه ، وأنه يريد منهم جزاء دعوته أن يتقربوا إلى الله ببذل الأرواح في محبته ، وبذل الأشباح في خدمته ، وأن يستنّوا بسنته ، ويتبعوا أسوته في جميع الأنفاس ؛ طلبا لزيادة محبة الله إياهم ومتابعته ، قال سبحانه : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ.)
قال سهل : أن تقربوا إليّ باتباع سنتي.
قال ابن عطاء : لا أسألكم على دعوتكم أجرا لا أن تتوددوا إليّ بأن تعملوا من الأعمال ما يقربكم إلى ربكم.