وقال : بيدي مقاليد السماوات والأرض ؛ فلا تشتغلوا بهما ولا بما فيهما وعليهما ؛ فإن كلها قامت بي ، كونوا إلى حقّا ؛ أسخر لكم الأكوان وما فيها ، ألا ترى كيف قطعهم عن الاعتماد على الأنبياء بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ.)
وقال : مقاليد الأرزاق صحة التوكل ، ومقاليد القلوب صحة المعرفة بالله ، ومقاليد العلوم الجوع.
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤))
قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) أي : بسط لكم بساط العبودية التي هي مرقاة عرفان الربوبية ، فإذا كنتم تصعدون عليها تبلغون إلى مشاهدة جلالي وكشف جمالي ، عرفتكم نفسي كما عرفت نفسي حبيبي وخليلي وكليمي وروحي ، ووصيتكم بألا تختاروا عليّ شيئا من دوني ، فإذا تجردتم عن غيري واستقمتم على بساط خدمتي وأقبلتم إلى جمال مشاهدتي بنعت المحبة والشوق فقد بلغتم نهاية الدين الذي اصطفينا به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلىاللهعليهوسلم وعليهم أجمعين ، لا تتفرقوا من مقام الجمع ؛ فإن عين الجمع غاية ذوق العارفين ، والتفرقة غاية الحجاب بيني وبينكم.
قال بعضهم في قوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) أي : من تعظيم محمد صلىاللهعليهوسلم الأنبياء السابقة.
وقال سهل : الشرائع مختلفة ، وشريعة نوح هي الصبر على أذى المخالفين.
(فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨))