المعرضين عن ساحة قدسه وجمال وحدانيته عزيز عزته وعظيم نور كبريائه المقبلين إلى وسائط الحدثان ، وطلب لذة الحال من رؤية الأكوان ، وكشف الحقيقة عن مرآة الخليقة ، إنهم من حقيقة التوحيد عبدة الأصنام إذا انعزلوا من ضعف قلوبهم عن طوارق سطوات عظمة القدم ، المنزه في ظهوره عن أن يحل في الحوادث ، المقدس من أن تكون ذاته وصفاته في الكوائن والمشاهد ، قدّس نفسه عن المشابهة بغيره بقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي : كل ما وقفتم عليه من العرش إلى الثرى فأنا منزّه عن ذلك ، ولو أتجلى من قدس جلالي بالحقيقة لاضمحلّ الحدثان ، وفنيت الأكوان ، سبحاني تعاليت عن خطرات الأوهام وعما يحل في الأفهام ، وعما تدركه العقول وتشاهده القلوب ويعاينه الأرواح ويصادقه الأسرار! من ذكرني بحظّه فقد افترى ، ومن شكرني بحظّه فقد ابترى ، ومن صبر في موازاة قدمي فقد اجترأ ، لولا رحمتي الواسعة على جميع خلقي ما أوجدتهم وما خاطبتهم ؛ إذ خطابي معهم من وراء كل حادث ، وليس في عزة قدمي وراء ولا ملأ ولا خلاء ولا مكان ولا زمان ، من أشار إليّ بنعت العشق فهو محجوب بحظّه عني ، ومن أشار إليّ بنعت المعرفة فأنا منزّه عن أن كون معروفه بمعرفته ، ومن أشار إليّ بالتوحيد وتوحيده راجع إليه وأنا واحد في وحدانيتي ، ما فارقت عن اثنين حتى توحدت ؛ فإن وحدانيتي منزّهة عن الكثرة والقلة ، ولم يكن للحدثان وجود بالحقيقة حتى يكون مثلا لي ؛ إذ قيامها بي ، وكيف تكون الأشياء مماثلي والأشياء قائمة لقدرتي؟! ولولا قدرتي ما تكونت الأشياء ، ليس لصنعي مثل ، فكيف لصفاتي وذاتي؟! يا حبيبي احترق في نيران الغموم والهموم واليأس والقنوط من إدراك عين حقيقته ، وإن كنت مشاهدا إياه أبدا فإن الكون غائب في بحر لا إله إلا الله ، ولام (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، نفى الكيفية والأينية والحيثية في أول إبراز نور قدسه بقوله ليس ، وقد كفى به أهل التوحيد إذا عدم التشبيه والمشابهة ، ولو فهم المخاطبون حروف أول السورة لرأوا معنى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ) في رمزها سبحانه ، سبحانه هام فؤاد ، عرفه كل لسان وصفه ، سبحانه ما أعظم شأنه!
قال الواسطي : رموز التوحيد كلها خرجت من هذه الآية : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) لأنه ما عبّر عن الحقيقة بشيء إلا والعلة مصحوبة والعبارة منقوصة ؛ لأن الحق لا ينعت على أقداره ؛ لأن كل ناعت مشرّف على المنعوت ، وجلّ أن يشرف عليه مخلوق.
وقال الشبلي : كل ما ميزتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مصروف إليكم ، ومردود عليكم ، محدث مصنوع مثلكم ؛ لأن حقيقته جلّ أن تلحقها عبارة ، أو يدركها وهم ، أو يحيط بها علم ، كلّا كيف يحيط به علم وقد اتفقت فيه الأضداد بقوله : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) أيّ عبارة تخبر عن حقيقة هذه الألفاظ؟! كلا