بالفرقة ، والانقطاع عن المأمول ، وهكذا شأن من رجع إلى الخلق ، وسكن إلى الأسباب من المسبب.
قال ابن عطاء في قوله : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) قلب ليس فيه شيء من أنوار الله ، فقير بما فيه رجوعه إلى الأسباب ، والفقير من يكون رجوعه إلى غير الحق ، يحسب أن الرجوع إلى غيره يغني ، وهو كسراب (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) إذا تبيّن له أن الرجوع إلى الأسباب شرك يظهر إذ ذاك له أن الرجوع إلى الحق هو الإيمان.
قال الله : (وَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) أي : وجد الطريق إليه ، وقال أيضا : كل منا دون الله فهو فقير ، وكل قلب فيه محبة ما سوى الله ؛ فهو فقير ، وفقير عن الحق ، وعن معرفته ، ويعلم أنه تاه قوم في ميدان الجهد فتخلفوا عن واجبات الحق ، وظنوا أنهم يصلون بجهدهم إلى الله ، وما وصل أحد إليه إلا من سبق له من الله العناية ، والمجتهد في مجاهدته ، كما قال الله عزوجل : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣٩).
ثم بيّن سبحانه أن هؤلاء المحجوبين عن الله مترددون في ظلمات طبائعهم لم يصحبهم نور العناية ، فيبقون في ظلمة عقولهم على ما عملوا لغير وجه الله بقوله : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠) أي : من لم يصحبه نور معرفة الله الذي صدر من كشف مشاهدة الله في بدور روحه إلى منتهى سيره ، فما له هناك من نور المعرفة ، ونور المشاهدة ، ونور الوصال ، والعارف الصادق في مشاهدة الحق يحتاج إلى ألف ألف نور في كل لمحة من نور الأزل والأبد ينظر بها إلى جمال القدم ، ويعرف بها طرق الصفات ، ويرى بها عجائب الذات.
قال القاسم : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) في وقت القسمة فما له من نور في وقت الخلقة.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ