وثوابها عن الله ؛ لأنهم في بساتين الأنس ، ورياض الذكر ، قال الله : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [النور : ٣٧].
قال بعضهم : أسقط الله اسم الرجولية عن الغافل إلا من عامل الله على المشاهدة ، ولم يؤثر عليه الأكوان ؛ فقال : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ.)
قال بعضهم : من أسقط عن سره ذكر ما لم يكن لكان سمي رجلا حقيقة ، ومن شغله عن ربه من ذلك شيء ، فليس هو من الرجال المتحققين.
ثم زاد سبحانه في وصفهم بالخوف الدائم ، والوجل القائم من صرف القلوب والأبصار من مشاهدة الجبّار بقوله : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) (٣٧) يفزعون من يوم الشهود حيث تتقلب القلوب عن مشاهدة صرف القدم في الجنان والأبصار في النظر إلى الحور والغلمان والروح والريحان ، وأيضا يخافون من مقلب القلوب في أنوار الصفات ، والأبصار في أنوار الذات لئلا يقف في منازل الشهود ومشاهد الحقيقة ، وينقطع عن السير في ألوهية الأولية ، والسرمدية الأبدية ، بل يطمعون أن يبقوا بحسن المعرفة ، وكمال الأدب في زمان العبودية مع مشاهدة الأبد بنعت الدنو ، ودنو الدنو ، وكشف ما كان مكتوما عنهم بقوله : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) ذلك الرزق كشف جمال القدم بغير حجاب.
قال النصرآبادي : النفوس في التنقيل ، والقلوب في التقليب.
وقال الحسين : خلق الله القلوب والأبصار على التقليب ، وجعل عليها أغطية وستورا وأكنة وأقفالا ، فتهتك الستور بالأنوار ، وترفع الحجب بالذكر ، وتفتح الأقفال بالقرب.
وقال الحسين : إذا علمت أنه مقلب القلوب والأبصار ؛ فليكن شغلك في النظر إلى أفعاله فيك ، وتوقى الخلاف والغفلة.
ثم وصف سبحانه أهل الغرة به الذين معولهم على الرسوم ، وما عملوا من المعاملات على رؤية النفس والخلق بقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) أي : إن الذين نسوا عهد الله الأزلي الذي أوجب عليه فيه الإقبال عليه بالكلية من الكون ، وباشروا صورة العمل رياء وسمعة ، شبّه أعمالهم بسراب القيعان ؛ لأنهم في الرياء والشرك من أهل الخسران والحرمان ، فإذا احتاجوا إلى جزاء الأعمال ، وهم في حسبانه لم يجدوا في الحضرة شيئا من وصول المراد حيث جازى الله أصفياءه بأعمالهم التي وقعت على حسن القبول إذ كانت قيمتها من حسن اليقين والصدق والإخلاص ، (وَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) بنعت الإعراض عنه يجازيهم