السَّماءُ انْشَقَّتْ (١)) [الانشقاق : ١] (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١)) [الانفطار : ١] ، هذه كلها أقسام الكون ، وما من العدم لهم صار إلى العدم القائم عنهم غيرهم ، والكائن عنهم سواهم جلت الأحدية ، وعزت الصمدية ، وتقدست الديمومية ، وتنزهت الألوهية.
ثم بيّن سبحانه أن ذلك المصباح والمشكاة في بيت صورة العبد العارف ، وذلك البيت صدره يتنور بنور الله ، ونور قربه ليبصر سواكنه بنوره ما ينفتح فيه من أنوار ملكوته وجبروته بقوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) أن يرفع همها إلى مشاهدة الذات ، وصرف الصفات ، ولا ينزل على غيره من الآيات والكرامات والعقل ، يذكر اسم الله هناك ، والقلب يذكر وصفه ، والروح يذكر ذاته وصفاته تعالى ، وأيضا ترفع الأسرار بنعت الاشتياق حوائج الوصال إليه بنعت المداناة والمناجاة.
وقال بعضهم : ترفع الحوائج من القلوب ، وتشغل القلوب بالذكر ؛ فإن النبي صلىاللهعليهوسلم يقول حاكيّا عن ربه : «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين» (١).
ويقال : «القلوب بيوت المعرفة ، والأرواح مشاهد المحبة ، والأسرار محال المشاهدة».
ثم وصف سبحانه أهل خالصة تلك البيوت بشهود الحضرة والمراقبة في القربة بنعت التجريد عن غير المشاهدة بقوله : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) وصف الله العارفين بالرجولية حين أقبلوا عليه بأسرار طاهرة عن الحدثان ، وبسرهم في صحاري الآزال والآباد بالأرواح القدسية والعقول الملكوتية بين سباع القهر وحيات الامتحان ، وآساد الغيرة لا تشغلهم المستحسنات والمستقبحات عن بلوغهم إلى معالي الدرجات في رؤية الذات والصفات ، ومثالهم كالبحار لا تتغير بالجيف كذلك أحوالهم تجري عليهم أحكام الكونين بنعت المباشرة والمعاملة ، ولا تتغير أسرارهم عن شهود الوصال والنظر إلى الجمال.
قال ابن عطاء : هم خزائن الودائع ومواضع الأسرار.
قال النصرآبادي : أسقط عنهم المكون ذكر المكونات ، فلا تشغلهم الأسباب عن المسبب بحال.
قال جعفر : هم الرجال من بين الرجال على الحقيقة ؛ لأن الله حفظ سرائرهم عن الرجوع إلى ما سواه ، وملاحظة غيره فلا تشغلهم تجارات الدنيا ونعمتها وزهراتها والآخرة ،
__________________
(١) رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢ / ١٣٩) ، وابن أبي شيبة في «المصنف» (٧ / ٤٠) ، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (٧ / ٣١٣).