قوله تعالى : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٦١) : طلب الحق منهم ما خلق في فطرتهم من استعداد قبول طاعته أي : اعبدوني بي لا بكم ، فهذا صراط مستقيم حيث لا تنقطع العبودية عن العباد أبدا ، ولا يدخل في هذا الصراط اعوجاج ولا اضطراب.
قال النوري : الأنفاس ثلاث : نفس في العبودية ، ونفس بالربوبية ، ونفس بالرب.
قال الواسطي : من عبد الله لنفسه فإنما يعبد نفسه ، ومن عبده من أجله فإنه لم يعرف ربه ، ومن عبده بمعنى أن العبودية جوهرة تظهرها الربوبية فقد أصاب.
(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩))
قوله تعالى : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) : من عمّره الله وذهب أوقاته بالغفلات ، ولا يظهر بالمشاهدات نقص وضعف في ميادين العبودية والربوبية.
قال أبو بكر الوراق : من عمّره الله بالغفلة فإن الأيام والأحوال تؤثر فيه حالا فحالا من طفولية ، وشباب ، وكهولية ، وشيبة إلى أن يبلغ ما حكى الله عنه من قوله : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) ، ومن أحياه الله بذكره فإن تلوين الأحوال لا يؤثر فيه ، فإنه متصل الحياة لحياة الحق ، حي به ، ويقر بهن ، قال الله : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً.)
(لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧))
قوله تعالى : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) أي : من كان عارفا بالله وبصفاته ، عاشقا بوجهه ، مشتاقا إلى لقائه ، والها في جماله ، ذاهلا في عظمته وكبريائه ، متصفا بحياته.
قال ابن عطاء : أي من كان في علم الله حيّا أحياه الله بالنظر إليه والفهم عنه والسماع منه والسلام عليه.
قال الجنيد : الحي من يكون حياته بحياة خالقه ، لا من يكون حياته ببقاء هيكله ، ومن يكون بقاؤه ببقاء نفسه فإنه ميت في وقت حياته ، ومن كان حياته بربه كان حقيقة حياته