وفاته ؛ لأنه يصل بذلك إلى رتبة الحياة الأصلية ، قال الله : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا.)
(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١))
قوله تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) : إن في خلق الإنسان ووجوه الحسان من علامات قدرته أكثر مما يكون في الكون ؛ لأن الكونين والعالمين في الإنسان معجون وفيه عمله معلوم ، ولو عرف نفسه فقد عرف ربه ؛ لأن الخليقة مرآة الخليقة تجلت في الخليقة لأهل المعرفة ، وربّ قلب ميت يحيا بجماله بعد موت جهالته ، وإحياؤه بمعرفته.
قال الواسطي : ضرب الأمثال في القرآن إعلاما لصحة الطرق للموحدين على حدة ، وللعالمين على حدة ؛ ليعلموا أن قليلا من روائح نفحاته خير من كثير توحيدهم ومعاملاتهم.
وقال في قوله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) أي : من يحيى القلوب الميتة بالقسوة والإعراض عنه ، فيردها إلى التفويض والتسليم والتوكل والإقبال عليه.
(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢))
قوله تعالى : (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) : الفهم فيه أن الأمر بالقول ، والقول القديم سبب إيجاد الكون ، ولا يكون الكون إلا بإرادة المكون ، وإرادته قبل الأمر ، فلو كان القول وافق الإرادة لصار الكون قديما ، لكن بقوته الأزلية وجلاله الأبدي أراد وجود الأشياء إلا في وقت معين ، فالأشياء مطيعة له بإجباره الأزلي عليها وغلبة سلطانه على متون العدم بعزة القدم ، لا إرادة لها ؛ إذ الأمر كله يتعلق بجبروته.
(فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣))
قوله تعالى : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) : منزّه عن النقائص الحدثية ، لا شريك له في ملكه ، من قدرته بدء الأشياء ، وإلى قدرته رجوع الأشياء (١).
__________________
(١) الملكوت هو الملك العظيم على ما يقتضيه الزيادة التركيبية ؛ كالعظموت بمعنى : العظمة الزائدة.
والرهبوت بمعنى : الرهبة الشديدة ، والرحموت بمعنى : الرحمة الغالبة ، وعلى هذا المراد بالملك العظيم هنا هو : ملك الروح ؛ لأنه أعظم من ملك الجسد ؛ لأن الجسد من عالم الصورة ، والروح من عالم المعنى ، والمعنى أوسع من الصورة ، وإن كان كل من الروح والجسد مخلوقين على ما دلّت عليه النصوص.