قال الحسين : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : هو نور النور ، يهدي من يشاء بنوره إلى قدرته وبقدرته إلى غيبه ، وبغيبه إلى قدمه وبقدمه إلى أزله وأبده ، وبأزله وأبده إلى وحدانيته لا إله إلا هو المشهود شأنه بقدرته ، تقدس وتعالى يزيد من يشاء علما بتوحيده ووحدانيته وتنزيهه وإجلال مقامه وتعظيم ربوبيته.
وقال الواسطي : إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد نوّرها بصفاته وخاطبها بذاته فاستضاءت واستنارت بنور قدسه ؛ فأخبر عنها بقوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ؛ لأنه منور الأرواح بكمال نوره.
قال الخراز : من خلقه من نوره ثم أخرجه بنوره ثم أعاده في أكبر كبريائه من نور إذا تجلى له لم يحترق ؛ لأنه يكون هو نورا من نوره على نوره في نوره.
قال الله تعالى : (نُورٌ عَلى نُورٍ).
قال الحسين : في الرأس نور الوحي ، وفي العينين نور المناجاة ، وفي السمع نور اليقين ، وفي اللسان نور البيان ، وفي الصدر نور الإيمان ، وفي الطبائع نور التسبيح فإذا التهب شيء من هذه الأنوار غلب على النور الآخر فأدخله في سلطانه ، فإذا سكن عاد سلطان ذلك النور أوفر وأتم مما كان ، فإذا التهبوا جميعا صار نورا على نور (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ).
قال الأستاذ : في قوله : (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) : كذلك هممهم لا تسكن شرقيّا ، ولا غربيّا ، ولا علويّا ، ولا سفليّا ، ولا جنيّا ، ولا إنسيّا ، ولا عرشيّا ، ولا كرسيّا ، شطحت عن الأكوان ، ولم تجد له سبيلا إلى الحقيقة ؛ لأن الحق منزه عن اللحوق والدرك ، فبقيت عن الخلق منفصلة ، وبالحق غير متصلة ، ويقال : نور المطالبة يحصل في القلب بدءا فيحمل صاحبه على المحاسبة ؛ فإذا نظر في ديوانه ، وما أسلفه من عصيانه يحصل نور المعاينة فيعود على نفسه باللائمة ، ويتجرع كاسات ندمه فيرتقي عن هذا باستدامة قصده ، والتنقي عما كان عليه في أوقات فترته ، فإذا استقام فيه كوشف بنور المراقبة فيعلم دائما أنه سبحانه مطلع عليه ، وبعد هذا نور المحاصرة ، وهو لوائح تبدو في السرائر ، ثم بعد ذلك نور المكاشفة ، وذلك بتجلي الصفات ، ثم بعده أنوار المشاهدة ؛ فيصير ليله نهارا ، ونجومه أقمارا ، وأقماره بدورا ، وبدوره شموسا ، ليس في سماء أسرارهم سحاب ، ولا في هوائها ضباب ، ثم بعد هذا أنوار التوحيد ، وعند ذلك يتحقق التجريد بخصائص التفريد ثم ما لا يتناوله عبارة ولا يدركه إشارة في البيان عند ذلك خرس ، والشواهد طمس ، وشهود الغير عند ذلك محال ؛ فعند ذلك (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (٢) [التكوير : ١ ، ٢] ، (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) (٤) [التكوير : ٤] (إِذَا