إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١))
قوله تعالى : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) : الإنذار لا يؤثر إلا في أصحاب الذكر ؛ لأنهم في مشاهدة عظمة المذكور يفزعون منه بأقدار ما شاهدوه من العظمة والكبرياء ، فبركة موعظة الصادق تزيد لهم تعظيم الله وإجلاله ، وتابع الذكر تابع السنة ، ثم تابع الحال والوقت والوجد حتى فني هو في ذكره ، وفني ذكره في رؤية مذكوره ؛ لأنه شاهد العظمة بنعت الفناء في الحضرة حين غاب عن الخلق بقوله : (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) علم الرحمن في غيب الرحمن ، (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (١١) لما جرى عليه من وقفة الحال وكشف المشاهدة الكريمة الأزلية الأبدية.
قال الحسين : أشرف منازل الذاكرين من نسى ذكره في مشاهدة المذكور ، وحفظ أوقاته من الرجوع إلى الرؤية والذكر.
(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥))
قوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ) : العبودية ممزوجة بالفطرة ، والمعرفة فوق الخليقة والفطرة ، وهذا المعنى مستفاد من قول النبي صلىاللهعليهوسلم حيث قال : «كلّ مولود يولد على الفطرة» (١) ، ولو كانت المعرفة ممزوجة بالفطرة لما قال : «فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصّرانه» (٢) ، بل المعرفة تعلق بكشف جماله وجلاله صرفا بالبديهة بغير علة ولا اكتساب بقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ.)
__________________
(١) رواه البخاري (١ / ٤٦٥) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤٧).
(٢) تقدم في سابقه.