الأزل ، وضياؤه من ضياء الأبد؟
ثم وصف الروح ، وشبّه الزجاجة قنديلها في مشكاة القلب بالكوكب الدري الذي قال تعالى : (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) إذ هي انقدحت من درر الجلال والجمال ، وأعلمنا أن ذلك المصباح في تلك الزجاجة لا ينطفئ أبدا ؛ لأن المصباح إذا كان في تحت زجاجة لا تؤثر فيه الرياح لعواصف إذ لا سبيل إلى نور المشاهدة في نور المعرفة والعقل ، ولا يزول بتغاير الحدثان ، ولا بالزلة والعصيان ، فهذان النوران ينفدان في روازن أبراج الدماغ فينوران تلك السيارات المذكورة ، ويتلألأن من مرآة سماء وجه العارف.
ألا ترى كيف قال أبو يزيد ـ قدس الله روحه : يظهر نور الصمدية من بشرة وجه العارف ، ومن هاهنا قال الحكماء : الأول صياحة الوجود من عكس الروح الناطقة هذا يفهم مما سنح لقلبي في إشارة الآية ما يوافق أقوال أئمتي وشيوخي.
قال ابن عطاء : زين الله السماوات باثني عشر برجا ، وهي : الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ، وزين قلوب المؤمنين باثني عشرة خصلة الذهن والانتباه والشرح والعقل والمعرفة واليقين والفهم والبصيرة وحياة القلب والرجاء والخوف والحياء ، فما دامت هذه البروج قائمة يكون العالم على النظام والسعة ، وكذلك ما دامت هذه الخصال في قلب العارف يكون فيه نور العارف ، وحلاوة العبادة.
وقال ابن مسعود : مثل نور المؤمن كمشكاة في كوة ، وهي التي لا منفذ لها أشار إلى صدر المؤمن (فِيها مِصْباحٌ) ، وهو نور قلب المؤمن ، و (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) ، والزجاجة سر المؤمن.
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن لله أوان فأحبها إليه ما صفا ورق» (١) ، (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ).
قال ابن عطاء : (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) : لا قرب فيها ولا بعد فيها ؛ فالله من البعد قريب ومن القرب بعيد.
قال الواسطي : لا دنيائية ولا آخرة جذبها الله إلى قربه ، وأكرمها بضيائها ، (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) يكاد ضياء روحها يتوقد ، (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) أي : ولو لم يدعه نبي ، ولا يسمع كتابا (نُورٌ عَلى نُورٍ) نور الهداية وافق نور الروح ، (اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) اجتهاد
__________________
(١) لم أقف عليه.