الكلام في عكس القاعدة :
إذا كانت القاعدة هي الملازمة بين حكمي العقل والشرع بمعنى انّه إذا حكم العقل بحكم ، حكم به الشرع أيضاً ، يكون عكسها هو الملازمة بين حكمي الشرع والعقل وانّه إذا حكم الشرع بحكم ، حكم به العقل أيضاً. فنقول : إنّ في عكس القاعدة احتمالين :
الأوّل : انّ كل ما حكم به الشرع حكم به العقل بمعنى انّه صدر من أهله ووقع في محلّه وإن لم يقف على مناط الحكم وملاكه. وهذا المعنى أصفق عليه كل وصف الله سبحانه بالعدل والحكمة وانّ أفعاله نزيهة عن البعث واللغو ، وإنّ الترجيح بلا مرجح باطل ويدل عليه العقل ، مضافاً إلى النقل قال سبحانه : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (ص / ٢٧) وقال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ). (المؤمنون / ١١٥)
الثاني : انّ كلّما حكم به الشرع ، حكم به العقل على طبقه حكماً انشائياً فعليّاً وهذا يحتمل وجهين :
١ ـ أن يحكم به بالفعل سواء وقف على جهات الفعل أو لا.
٢ ـ أن يحكم به مشروطاً بأنّه لو وقف على جهات الفعل لحكم به.
أمّا الأوّل فباطل بضرورة الوجدان. وكيف يصحّ له الحكم مع عدم العلم بجهات الفعل.
وأمّا الثاني : فهو لازم المعنى الأوّل الذي اتّفقت على صحّته العدلية على وجه الإطلاق إذ لو وصفناه بالحكمة وبراءة عمله عن اللغو والعبث والترجيح بلا مرجّح ، يلزم التطابق بين الحكمين بشرط أن يقف العقل على مناطه وملاكه.