الحجة فيها لمجرّد حكم العقل. (١)
يلاحظ عليه : أنّه إذا كان العذاب الدنيوي ولو كان بصورة الاستئصال ، متوقفاً على بعث الرسل ، كان العذاب الأُخروي أَولى بأن يكون متوقفاً عليه وعند ذلك ، يعود الإشكال ، فيما يستقل به العقل من الأُصول ، فهو يحكم بلزوم الاعتناق ، والثواب ، والعقاب ، مع أنّ الشرع يجعله متوقفاً على بعث الرسل.
والأَولى أن يقال : إنّ الآية بمنطوقها ومفهومها الأولوي ، ناظرة إلى ما لا يستقل العقل من الأُصول والفروع التي لو لا بعث الرسل لما وقف عليها جمهور الناس إلّا الأفذاذ منهم ، فالتعذيب في مثلها يتوقف على بيان سماوي ، دون ما يقف عليه الناس بفطرتهم وعقولهم النيّرة ، فالمخالفة والعصيان فيها يستتبع العقاب وإن لم يكن بيان من الله سبحانه. فلاحظ وقد أطنب الشيخ الأعظم في رسالته في تبيين مفاد الآية ، وما ذكرناه أولى بالتصديق. والله العالم.
إنّ قصّة ابني آدم دليل واضح على أنّ الأُصول التي يستقل العقل بحسنها أو قبحها يعاقب ويثاب عليها وإن لم يدعمها الشرع ـ لأجل عدم وجود الشريعة ـ فإنّ آدم وإن كان نبيّاً ولكن لم تكن له شريعة ، وكان المفروض على أبناء آدم يوم ذلك رعاية الأُصول التي يستقل العقل بحكمها والله سبحانه يصف قاتل هابيل بأنّه كان من الخاسرين قال : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ). (المائدة / ٣٠)
* * *
__________________
(١) الميزان : ١٣ / ٦٠.