المقام انّ تفسير التحسين والتقبيح العقليين بما جاء في كلامه ، لا يمكن المساعدة معه ، لما ذكرنا انّ ملاكهما ليس تطابق العقلاء عليه أوّلاًً ، ولا كونهما ، مشتملين على المصالح والمفاسد العامة ، ثانياً. وقد عرفت أنّ نطاق البحث أوسع ممّا ذكره وأنّ الغاية القصوى من البحث معرفة أفعال الباري وما يجوز له وما لا يجوز عليه ، وكون العدل مبقياً للنظام والجور هادماً له ، يرجع إلى نظام الحكم بين الإنسان وأين هو من فعله سبحانه الخارج عن تلك الدائرة.
حصيلة البحث :
قد بان ممّا نقلنا من كلمات الأعلام وما ذكرنا حوله من المناقشات ، انّ أصل التحسين والتقبيح من البديهيات العقلية في مجال الإدراكات العقل العملي ، وأمّا كون الفعل كذلك عند الله ، فهو أوضح من أن يخفى ، لأنّ العقل يدرك قضية عامة وانّه كذلك لدى كل موجود حيّ مختار ، وأمّا الملازمة بين الحكمين ، فلأنّ الموضوع لدى العقل للحكم ، هو نفس الموضوع عند الله سبحانه ، فكان الحسن والقبح ، والمدح والذم ، والبعث والزجر من لوازم الفعل عنده فلا وجه لتفكيك اللازم عن الملزوم في موطن دون موطن.
وإن شئت قلت : إنّ العقل يدرك أنّ هذا الفعل حسن أو قبيح ، وانّه مستحق للمدح أو الذم وانّه يجب أن يفعل أو لا يفعل ، فإذا كان المدرَك بهذه السعة ، فلا يصح التفكيك بين الخالق والمخلوق ، والتفكيك أشبه بأن تكون زوايا المثلث مساوية لزاويتين قائمتين عند الإنسان دون الله ، فالجميع من الحسن والقبح والمدح والذم ، والبعث والزجر ، من لوازم نفس الشيء بما هو هو ، يترتب الجميع عليه عند من حضره بمفهومه.
* * *