هل التحسين والتقبيح العقليان من المشهورات؟
قد تعرفت على أنّ كل مورد حكم فيه العقل بالتحسين والتقبيح ، فإنّما يحكم به بدافع من ضميره ، وحافز من صميمه ، وأنّ هذا الحكم عنده من الأحكام البديهية في مجال العقل العملي ، حسب البيان الأوّل ، وأنّه يجد الفعل ملائماً أو منافراً للجانب الفوقاني من وجوده حسب البيان الثاني وعلى ذلك فهو لا يعتمد في قضائه على أيّ أمر خارج عن ذاته ، بحيث لو تبدل ذلك الأمر الخارج لاختلّ قضاؤه.
وهذا ولكن الظاهر من شيخ المشائيين وتبعه جل من تأخّر عنه ، أنّ التحسين والتقبيح من المشهورات التي اتّفقت عليها آراء العقلاء وتسمى الآراء المحمودة ، قال الشيخ الرئيس : «فأمّا المشهورات من هذه الجملة فمنها هذه الأوّليات ونحوها ممّا يجب قبولها لا من حيث هي واجب قبولها ، بل من حيث عموم الاعتراف بها ومنها الآراء المسماة المحمودة ، وربما خصّصناها باسم المشهورة إذ لا عمدة لها إلّا الشهرة وهي آراء لو خلّي الإنسان وعقله المجرّد ووهمه وحسَّه ، ولم يؤدَّب لقبول قضاياها ، والاعتراف بها لم يقض بها الإنسان طاعةً لعقله ، أو وهمه ، أو حسه ، مثل حكمنا أنّ سلب مال الانسان قبيح ، وأنّ الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدِم عليه ، ومن هذا الجنس ما يسبق إلى وهم كثير من الناس ـ وان صرف عنه الشرع ـ من قبح ذبح الحيوان اتّباعاً لما في الغريزة من الرقّة لمن تكون غريزته كذلك ، وهم أكثر الناس وليس شيء من هذا ما يوجبه العقل الساذج ... وانّه لو خلق دفعة تام العقل ولم يسمع أدباً ولم يُطِع انفعالاً نفسانياً أو خلقيّاً ، لم يقض في أمثال هذه القضايا.
ثمّ إنّ الشيخ قسم المشهورات إلى الأقسام التالية : (١)
__________________
(١) أصل التقسيم مأخوذ من الشيخ ، والأمثلة مأخوذة من كلام صاحب المحاكمات لقطب الدين الرازي ، فلاحظ ولا يخفى أنّ بعض الأمثلة خارجة عن إطار الحكمة العملية.