هذا المورد ، بإرسال الرسل لا يكون دليلاً على إناطة سائر القبائح الواضحة به ، وبالجملة الإناطة في مورد خاص لا يكون دليلاً على الإناطة في مورد عام.
وبذلك يظهر الجواب عن الاستدلال بالآية الثانية ، لأنّها نزلت في حقّ قريش بشهادة قوله قبل هذه الآية : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (القصص / ٢٦) والقدر المتيقّن من قوله : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) ، هو الشرك السائد على الجاهلية ، الذي ربما يخفى قبحه على سواد الناس ، فقد علّق العقاب به على إرسال الرسل ، لا كلّ قبيح واضح ، ولأجل ذلك كانوا يُسألون يوم القيامة عن وأد البنات ، قال سبحانه : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير ٣ ـ ٤).
٢ ـ كلام صاحب الوافية وهو من النافين للملازمة :
ثمّ إنّ صاحب الوافية ممّن قال بالتحسين والتقبيح العقليين ، ولكنّه لم يلتزم بالملازمة وقال : «والحقّ ثبوت الحسن والقبح العقليين ، ولكن في إثبات الحكم الشرعي ـ كالوجوب والحرمة ـ بهما نظر وتأمل ، لأنّ قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١) (الإسراء / ١٥) ظاهر في أنّ العقاب لا يكون إلّا بعد بعثة الرسول فلا وجوب ولا تحريم إلّا وهو مستفاد من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأيضاً انّ العقل يحكم بانّه يبعد من الله توكيل بعض أحكامه إلى مجرّد إدراك العقول مع شدة اختلافها في الإدراكات من غير انضباطة بنص أو شرع ، فانّه يوجب الاختلاف والنزاع ، مع أنّ رفعه من إحدى الفوائد لإرسال الرسل ونصب الأوصياء (عليهمالسلام). (٢)
__________________
(١) سيوافيك الاستدلال بهذه أيضاً على نفي الملازمة بشكل آخر في آخر المبحث.
(٢) الوافية : ١٧٣ ـ ١٧٤.