حقّ أولى». (١)
ثمّ إنّ الشيخ قد فسّر الفطرة في مقام آخر وقال : «أن يتوهم الإنسان نفسه ، حصل في الدنيا ، دفعة وهو بالغ عاقل ، لكنّه لم يسمع رأياً ، ولم يعتقد مذهباً ، ولم يعاشر أُمّة ، ولم يعرف سياسة ، لكنّه شاهد المحسوسات ، وأخذ منها الخيالات ، ثمّ يعرض منها ، على ذهنه شيئاً ، ويتشكّك فيه. فإن أمكنه الشك فالفطرة لا تشهد به. وإن لم يمكنه الشك ، فهو ما توجبه الفطرة». (٢)
يلاحظ على كلام الشيخ :
أنّه لو صحّ تفسير الفطرة بما ذكره لأصبح حسن الإحسان وقبح الظلم أو حسن جزاء الإحسان بالإحسان ، وقبح جزاء الإحسان بالسوء» ، من الفطريات التي لا يشك فيه أحد. فإنّ الإنسان مهما كان بسيطاً لا تتجلّى القضيتان عنده سواسية ولو سوّى بينهما ، يكون ذلك دليلاً على عدم كونه إنساناً سوياً وليس قضاؤه لقبح الأوّل وحسن الثاني لأجل كونه متألّماً من الظلم أو مسروراً من العدل ، بل يقضي بهما مع غضّ النظر عن صلتهما بحياته.
نظرية المحقّق اللاهيجي :
ثمّ إنّ أوّل من نفض الغبار عن وجه الحقيقة هو العلّامة المحقّق الشيخ عبد الرزاق اللاهيجي (ت ١٠٧٢ ه ـ) في رسالته المسماة ب ـ «سرمايه ايمان» فانّه ذهب إلى ما حقّقناه وأقمنا برهانه وقال ما هذا تعريبه :
«الحق أنّ حسن العدل والصدق ، وقبح الظلم والكذب أمر ضروري والعقل في المقام غني عن حكم الشارع.
__________________
(١) النجاة : ٦٣ ، قسم المنطق.
(٢) الجوهر النضيد : ١٩٨ ، ٦٢.