الوجدان والعقل ، دون المسألة الثانية (١). ومع ذلك كلّه فالحقّ أن يقال :
إذا كان النظر في الوحدة والكثرة إلى مقام الإثبات ، فلا شكّ أنّ هنا مسألتين إحداهما مستنبطة من الثانية ، فيكون حكم العقل بحسن الإحسان وقبح الظلم دليلاً وكاشفاً عن حكم الشارع بالوجوب أو الحرمة. والدليل على التعدد ، هو كون الثانية في طول الأُولى في مقام الاستكشاف ، مضافاً إلى اختلافهما في المحمول. فهو في الأوّل هو الحسن والقبح وفي الأُخرى الوجوب والحرمة ، مضافاً إلى اختلافهما في النتائج فإنّ ما يترتب على حكم العقل بهما هو المدح والذم ، وما يترتب على حكم الشرع بالوجوب والحرمة هو الثواب والعقاب ، فكل ذلك يصحّح كونهما مسألتين. هذا كلّه إذا ركّزنا النظر على عالم الإثبات ، وأمّا إذا كان النظر مركزاً على عالم الثبوت ، فالحقّ أنّ هنا مسألة واحدة كلّ يتكلم حسب لغته واصطلاحه ، فالعقل إذا يلاحظ بعض الأفعال يحكم عليه بالحسن والقبح ، والشرع إذا يلاحظه ، يحكم عليه بالوجوب والحرمة والحكمان وجهان لعملة واحدة ، ولعلّ هذا التفصيل أولى من الحكم البات بالوحدة أو الكثرة.
الأمر الخامس : ما هو المراد من قولهم :
كل ما حكم به العقل ، حكم به الشرع؟
إنّ هنا وجوهاً واحتمالات :
الف : إنّ ما حكم به العقل ، حكم بمثله الشرع ، وعلى هذا ففي الموارد التي يستقل فيها العقل ، حكمان ، كما أنّ فيها حاكمين.
ب : كلّ ما حكم به العقل ، حكم بعينه الشرع ، ويصدقه ، وعليه يكون هنا
__________________
(١) الوافية : ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، وسيوافيك كلام صاحب الفصول في المسألة الثانية أيضاً.