أدلّة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين :
استدلت الأشاعرة على نفي التحسين والتقبيح العقليين بوجوه نأتي بها :
الدليل الأوّل : الله مالك كل شيء يفعل في ملكه ما يشاء :
توضيحه : أنّه المالك ، القاهر ، الذي ليس بمملوك ، ولا فوقه مبيح ، ولا آمر ، ولا زاجر ، ولا حاظر ، ولا من رسم له الرسوم ، وحدّ له الحدود. فإذا كان هذا هكذا ، لم يقبح منه شيء ، إذ كان الشيء إنّما يقبح منّا ، لأنّا تجاوزنا ما حدَّ ورسم لنا ، وأتينا ما لم نملك إتيانه. فلما لم يكن البارى مملوكاً ولا تحت أمر ، لم يقبح منه شيء. فإن قال : فإنّما يقبح الكذب لأنّه قبّحه. قيل له : أجل ولو حسّنه لكان حسناً ، ولو أمر به لم يكن عليه اعتراض.
فإن قالوا : فجوزوا عليه أن يكذب ، كما جوزتم أن يأمر بالكذب.
قيل لهم : ليس كلّ ما جاز أن يأمر به ، جاز أن يوصف به. (١)
يلاحظ عليه : أمّا أوّلاً : فانّنا نسأل الشيخ الأشعري عن أنّه سبحانه إذا أولِمَ طفله في الآخرة وعذّبه بألوان التعذيب مع كون الطفل بريئاً لم يصدر منه ذنب ، ورأى الأشعرى ذلك بأُم عينه في الآخرة ، هل يرى ذلك عين العدل ، ونفس الحسن؟! أو أنّه يجد ذلك الفعل ، من وجدانه ، أمراً منكراً؟
ومثله ما لو فعل بالأشعري نفس ما فعل بطفله مع كونه مؤمناً ، فهل يرضى بذلك في أعماق روحه ، ويراه نفس العدل غير متجاوز عنه ، بحجة أنّ الله سبحانه مالك الملك يفعل في ملكه ما يشاء؟ أو أنّه يقضي بخلاف ذلك؟
وأمّا ثانياً : فلا شكّ أنّه سبحانه مالك الملك والملكوت يقدر على كل أمر
__________________
(١) الأشعري : اللمع : ص ١١٧.