والسرور أو دفع الألم والغم والله سبحانه قادر على تحصيل هذه الأُمور من غير واسطة هذه التكاليف.
يلاحظ عليه : أنّ عموم قدرته وإن كان لا ينكر لكن تعلّقت مشيئته الحكمة على التفريق بين الفيض العام فهو يصل إلى كلّ ما يدبّ وإن كان كافراً وجاحداً ، والفيض الخاص الذي لا يفيض إلّا على الخلّص من عباده (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (محمّد / ١٧) فحكمته تصدّه عن سيادة الفيوض في إيصال النعم ، فيعم العارف والجاحد ، ولو عمّ بعض نعمه كل إنسان مؤمن وكافر ، لمصلحة هو أعرف بها ، لكن قسماً من نعمه رهن استحقاق المورد ولياقته ، وكلّما ازدادت معرفة العبد بمولاه ، ازداد استحقاقاً والفيوض تنزل حسب صلاحيات الأفراد ، ومقدار القابليات والاستعدادات.
ولعمر القارئ أنّ الرازي أعرف بضعف ما ذكره ووهن ما نسجه إلّا أنّ الدفاع عن المنهج الذي تربى عليه ، دفعه إلى نحت هذه الحجج الواهية.
ثمّ إنّ الرازي فتح باباً آخر (الفصل التاسع من فصول كتابه) ذكر فيه خمس عشرة حجة على ردّ تحسين العقل وتقبيحه في أفعاله وأحكامه سبحانه والدلائل كلّها من سنخ ما تلوناه عليك ، فهو قد اتخذ عويصات المعارف ومشاكلها ذريعة على إنكار التحسين والتقبيح ، مع أنّ عدم عرفان المصلحة في موارد ، لا يكون دليلاً على إنكارهما.
مثلاً ذكر في الحجة الأُولى أنّ تكليف من علم أنّه يكفر قبيح عقلاً. وأتى في إثبات مرامه بأمثلة كثيرة مع أنّه سبحانه كلّفه فدلّ على أنّ ما يدركه العقل من المحاسن والقبائح يختص بالإنسان ولا يعمّه سبحانه (١).
يلاحظ عليه : أنّ الواجب على الرازي ومن هو على شاكلته ، أمام هذه العويصات ، هو السكوت والتفويض إلى الله ، لا جعلها ذريعة إلى إنكار أبده
__________________
(١) المطالب العالية : ٣ / ٣٠٥.