البديهيات ، وأوضح الواضحات الذي أطبق عليه عقل العقلاء ، وما تمسك به الرازي في إبطال تسرية أحكام العقل إلى ساحته سبحانه ، ليس إلّا أُموراً غامضة ربما لا يتوفّق الإنسان على حلّ عقدها ، لكن ليس له أن يجعل عدم التوفّق ذريعة لإنكار الواضحات.
على أنّه لو تأمّل الرأي أو رفع إلى مشايخ العلوم العقلية ، لأحلّوا عقدته وقالوا :
إنّه ليس هنا إرادات جزئية مختلفة متعلّقة بآحاد المكلّفين ، بأن تكون هنا إرادات حسب تعدّد المكلّفين حتى يقال كيف يمكن تعلّق إرادة جديّة بإيمان من نعلم أنّه لا يؤمن ، بل إرادة وبعث واحداً إلى عنوان المكلّف وهو بوحدته ، وعموم متعلّقه حجة على الكلّ من غير فرق بين المؤمن والكافر ، والمستعد والجاحد وهذا يكفي في حسن العقاب ، وإن علم أنّه لا يؤمن.
نعم البعث الجزئي لا ينقدح في لوح النفس إذا علم أنّه لا يؤمن أبداً ، ولكن لغاية إتمام الحجة يتعلّق بعث واحد متعلّق بالعنوان العام مصحّح للعقوبة ، فالرازي خلط بين الخطابات القانونية ، والخطابات الشخصيّة (١).
على أنّ هنا جواباً آخر يصحّح توجه الخطاب الشخصي إلى من علم من حاله أنّه يعصي ويطغي قال سبحانه : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى). (طه / ٤٣ ـ ٤٤)
ه لصحمو : أنّ مرجع التكليف هنا إلى إتمام الحجة كما قال سبحانه : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ). (النساء / ١٦٥) (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ). (الأنعام / ١٤٩)
__________________
(١) ومن أراد أن يقف على الفرق بين الخطابين فعليه الرجوع إلى بحوثنا في أُصول الفقه.