من الجراحة الأُولى ، حاجته ، فليست واصلاً من جانب معطي الوجود ومفيض النعم الظاهرة والباطنة ، بل هو مجروح بالذات ، كما بطل قوله : «يغصب من إنسان ديناراً ثمّ يعطيه ديناراً» إذا لم يكن الممكن واجداً لشيء حتّى يؤخذ منه شيء ويصح التشبيه.
٢ ـ أنّ حاجة الإنسان في حياته وإن كانت أمراً غير منكر وكل من الشهوة والغضب آيتا الحاجة لكنّه في ظلّ تينك القوتين ـ عند التعديل ـ يصل إلى قمة الكمال. ولو لا الشهوة ، لانقطع نسله ، ولو لا الشهوة لوقع فريسة للوحوش الضواري ، وهكذا سائر الحوائج المادية والروحية فالحاجة وإن تعد نقصاً ، لكنّها سلّم الترقّي إلى سماء الكمال.
ثمّ إنّه أطال الكلام في إثبات ما يرميه وانا أضنّ بالحبر والورق في أن أُسوّد الصحائف بنقل كلامه فلا نطيل الكلام في نقد هذه الحجة أزيد من هذا.
الثالث : لو كان عقلنا معتبراً في حقّ الله لوجب أن يقبح من الله أن يأمر عباده بمعرفته وطاعته ، لأنّ تحصيل معرفة الله عمل شاق على العبد ولا يحصل منه نفع للشاكر ولا للمشكور وما كان كذلك كان الأمر به قبيحاً بمقتضى تحسين العقل وتقبيحه. (١)
يلاحظ أوّلاً : كيف تكون معرفة الله أمراً شاقاً والحال انّه سبحانه يعدّه أمراً سهلاً ويقول : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (إبراهيم / ١٠).
وثانياً : أنّ المشكور وإن كان لا ينتفع بشكر العباد إلّا أنّ الشاكر ينتفع به وأقلّ ما ينتفع ، وهو انّ الشكر يزيد النعمة قال سبحانه : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ). (إبراهيم / ٧).
ثمّ إنّ الرازي لما وقف على بعض ما ذكر قال : لا معنى للمنفعة إلّا اللذة
__________________
(١) المطالب العالية : ٣ / ٢٩١.