مطروح للالهي في معرفة ما يجوز له سبحانه أو لا يجوز عليه ، ولا للعالم الاخلاقي في تبيين المُثلِ العليا للإنسان في المجتمع الصغير ، ولا للسائس الواعي في إدارة المجتمع الكبير إذ عندئذ تصير الأخلاق والسياسة ، مفاهيم مادية ، لا يعرّج إليه الإنسان الموضوعي. والعجب أنّه ينقل عن المعتزلة انّهم صرّحوا بأنّ كون الشيء حسناً أو قبيحاً ، أمر مغاير لكونه منشأ للمنفعة والمضرة ، ومع ذلك يصرّ في آخر كلامه بأنّه لا يعقل من الحسن والقبح إلّا المنفعة والمضرة.
الثاني : لو صحّ القبح العقلي وعمّ حكم العقل له سبحانه ، يلزم أن لا يُنعم الله على أحد من عباده لأنّ النعمة إنّما تكون نعمة إذا كانت رافعة للحاجة ، وإيجاد الحاجة في الإنسان ضرر ومضرة وهو قبيح ، فإيصال النعمة إليه لا يمكن إلّا إذا كان مسبوقاً بإيصال ضرر يساويه ، ومن كان الأمر كذلك ، صارت هذه النعمة الحاصلة دافعة لذلك الضرر السالف فتصير هذه الواقعة كمن يجرح إنساناً ثمّ يعالج جراحته ، أو يسرق ديناراً من إنسان ، ثمّ يعطيه ديناراً. (١)
يلاحظ عليه بوجهين :
١ ـ أنّ حاجة الممكن ذاتي له غير مجعول ، وإنّما المجعول وجوده والله سبحانه أوجد الممكن المحتاج بالذات ، لا أنّه أُعطى الحاجة له ، وليس الممكن إلّا مسلوب الضرورة من جانبي الوجود والعدم ، واندفاعه به إلى أحد الطرفين يحتاج إلى علّة ، غير أنّ عدم العلّة كاف في كونه معدوماً ، وما هذا شأنه ، تشكِّل الحاجة ذاته وحاقّه وحقيقته ، فبطل قوله : «إنّ إيصال النعمة إليه لا يمكن إلّا إذا كان مسبوقاً بإيصال ضرر يساويه» وإذا كان المقصود من الضرر هو الحاجة فليس هي واصلة إليه من العلّة ، بل هي واقعية الممكن ولبّه ، وجد أم لم يوجد.
كما بطل قوله : «فتصير هذه الواقعة كمن يجرح إنساناً ثمّ يعالجه» فإن أراد
__________________
(١) المطالب العالية : ٣ / ٢٩١.