بأحد الوصفين نفس القضية بما هي هي من غير خصوصية للمدرِك. فهو يدرك أنّ العدل حسن عند الجميع ومن الجميع ، والظلم قبيح كذلك ، ولا يختص حكمه بأحدهما بزمان دون زمان ، ولا جيل دون جيل.
ثمّ إنّ المخالف في المقام بعض الأشاعرة كالرازي وغيره فإنّهم اعترفوا ـ خلافاً لأسلافهم وإمامهم الشيخ أبي الحسن الأشعري ـ بالتحسين والتقبيح العقليين لكنّهم فصَّلوا وقالوا : إنّ تحسين العقل وتقبيحه معتبر بالنسبة إلى العباد وأمّا بالنسبة إلى الله تعالى فهو باطل.
أمّا الأوّل : فقد استدل عليه بوجوه ، أوضحها ما أفاده الرازي : انّ العقلاء قبل علمهم بالشرائع والنبوّات مطبقين على حسن مدح المحسن ، وحسن ذم المسيء ، فانّ من أحسن إلى محتاج فانّ ذلك المحتاج يجد من صريح عقله حسن مدحه وذكره بالخير ، ولو أساء رجل إليه فانّه يجد من صريح عقله حسن ذمِّه وهذا الحكم حاصل سواء كان ذلك الإنسان مؤمناً يُصدِّق بالأنبياء أو لم يكن كذلك فعلمنا أنّ الحسن والقبح مقرر في عقولهم.
وأمّا إثباتهما في حقّ الله تعالى فمحال واستدل بوجوه نذكر بعضها :
الأوّل : إنّ الذي عقلناه من معنى الحسن ما يكون نفعاً ، أو مؤدّياً إليه والذي عقلناه من معنى القبح ما يكون ضرراً أو مؤدياً إليه ، والرغبة في المنفعة ، والرهبة عن المضرة ، إنّما يعقل حصولهما في حقّ من يصحّ عليه النفع والضرر ، ولما كان ذلك في حقّ الله محالاً ، كان القول بثبوت الحسن والقبح في حقّ الله محالاً. (١)
يلاحظ عليه : أنّ الدليل مبنيّ على كون الملاك في التحسين والتقبيح هو كون الفعل نافعاً أو مؤدِّياً إليه أو ضرراً أو مؤدِّياً إليه والله سبحانه أرفع من هذا الملاك. لكنّك عرفت أنّ تفسير التحسين والتقبيح العقليين بهذا المعنى ساقط جداً ، غير
__________________
(١) الرازي : المطالب العالية : ٣ / ٢٩٠.