وقال بعضهم : رياء العارفين أفضل من إخلاص المريدين. وهذا كلام ظاهره منكر ومحتاج إلى شرح ؛ فإن العارف لا يرائى المخلوق طلبا لمنزلة (١) فى قلبه ، وإنما يكون ذلك منه نصيحة وإرشادا وتعليما ، فهو يدعو إلى الله بعمله (٢) كما يدعو إلى الله بقوله ، وإخلاص المريد مقصور على نفسه.
وقال ذو النون : الزّهّاد ملوك الآخرة ، وهم فقراء العارفين.
وسئل الجنيد عن العارف فقال : لون الماء لون إنائه. وهذه كلمة رمز بها إلى حقيقة العبوديّة ، وهو أنّه يتلوّن فى أقسام العبوديّة ، فبينا تراه مصلّيا إذ (٣) رأيته ذاكرا أو قارئا أو متعلما أو معلّما أو مجاهدا أو حاجّا أو مساعدا للضّيف أو معينا للملهوف ، فيضرب فى كلّ غنيمة بسهم. فهو مع المنتسبين منتسب ، ومع المتعلّمين متعلّم ، ومع الغزاة غاز ، ومع المصلّين مصلّ ، ومع المتصدّقين متصدّق [و] هكذا ينتقل فى منازل العبوديّة من عبوديّة إلى عبوديّة ، وهو مستقيم على معبود واحد لا ينتقل عنه إلى غيره.
وقال يحيى بن معاذ : العارف كائن بائن. وقد فسّر كلامه على وجوه : منها أنه كائن مع الخلق بظاهره بائن عن / نفسه (٤). ومنها أنّه كائن مع أبناء الآخرة بائن عن أبناء الدّنيا. ومنها أنّه كائن مع الله بموافقته ، بائن عن النّاس لمخالفته. ومنها أنّه داخل فى الأشياء خارج عنها ، يعنى [أن] المريد لا يقدر على الدّخول فيها والعارف داخل فيها خارج منها.
__________________
(١) فى ب : «للمنزلة»
(٢) فى ا : «بعلمه»
(٣) فى الأصلين : «أو» والمناسب ما أثبت
(٤) كذا ، والأظهر : «بائن عنهم بنفسه وباطنه»