وأضعف الصّبر ، الصّبر لله وهو صبر العامة. وفوقه الصبر بالله وهو صبر المريدين. وفوقه الصبر على الله وهو صبر السّالكين. ومعنى كلامه أنّ صبر العامّة لله ، أى رجاء ثوابه وخوف عقابه ، وصبر المريدين بالله ، أى بقوّة الله ومعونته ، فهم لا يرون لأنفسهم صبرا ولا قوّة عليه ، بل حالهم التّحقّق بلا حول ولا قوّة إلّا بالله علما ومعرفة وحالا. وفوقها الصّبر على الله ، أى على أحكامه. هذا تقرير كلامه رحمهالله.
والصّواب أنّ الصّبر لله فوق الصّبر بالله ، وأعلى درجة ، وأجلّ شأنا ؛ فإنّ الصّبر لله متعلق بالإلهية ، والصّبر به متعلق بربوبيّته ، وما تعلق بالإلهية أكمل وأعلى مما تعلق بربوبيّته ، ولأنّ الصّبر له عبادة ، والصّبر به استعانة ، والاستعانة وسيلة ، والعبادة غاية ، والغاية مرادة لنفسها ، والوسيلة مرادة لغيرها ؛ ولأنّ الصّبر به مشترك ، بين المؤمن والكافر ، والبرّ والفاجر ، فكلّ من شهد الحقيقة الكونيّة صبر به ، وأمّا الصّبر له فمنزلة الرّسل والأنبياء والصّدّيقين ؛ ولأنّ الصّبر له صبر فيما هو حقّ له ، محبوب له ، مرضىّ له ، والصّبر [به] قد يكون فى ذلك ، وقد يكون فيما هو مسخوط له ، وقد يكون فى مكروه أو مباح. فأين هذا من هذا؟!
وأمّا تسمية الصّبر على أحكامه صبرا عليه فلا مشاحّة فى العبارة بعد معرفة المعنى. والله أعلم.
وقد يعبّر عن الانتظار بالصبر لمّا كان حق الانتظار ألّا ينفكّ عن