هناك سؤال يطرح نفسه بشدّة هنا ، وهو هل أن ثورة زيد بن علي كانت نتاجا للمذهب الزيدي أم لا؟ وبعد دراسة لكل الآراء والروايات العديدة ومحاولة إزالة التناقضات التي قد تبدو بين بعضها والبعض الآخر. توصلت أن هذه الثورة لم تكن إفرازا من إفرازات المذهب الزيدي بل على العكس من ذلك أن المذهب الزيدي كان من أوائل نتاجاتها.
مذهبه :
من المشهور والمعروف أن زيد بن علي قد أسس مذهبا خاصا مستقلا. من مذاهب الشيعة يسمى بالزيدية (١). لكني بعد قراءات متمعنة في الأقوال المنقولة عنه ، وما وجدته في كتبه من آراء وما ذكرته المصادر عمّا قام به من أفعال خرجت بحصيلة رأي تخالف ما عرفه عنه. أي أن ما قرأته من آراء منقولة عنه ـ على ما يبدو بينها من اختلافات ـ لا تساعد على القول بأنه كان يتزعم مذهبا فقهيا أو عقائديا له أركانه وأصوله ، وملامحه ، ومشخصاته التي يتميز بها. وقد فطن إلى ذلك الدكتور محمد عمارة ؛ لكنه ذهب إلى أن زيدا معتزلي (٢). وهذا ما أخالفه فيه كما سيأتي.
ولا يعني قولي هذا التقليل من قيمة الرجل العلمية أو الثقافية أو السياسية فهو من الرجال الأفذاذ الذين أثّروا في تاريخ الأمة السياسي والفكري والعلمي بما خلف لنا من آثار رائعة ، وأفكار نيرة ، وسلوك جيد ، وجهاد واع يكون قدوة لكل مسلم غيور على دينه. ولا ينقص من قدر الرجل أن يقال عنه إنه لم يكن بصدد تأسيس مذهب فالتاريخ الإسلامي مليء بالأفذاذ الذين لم يؤسسوا مذاهب.
وقد توصلت إلى هذا الرأي بعد استرشادي بمؤشرات عديدة كان من أبرزها ما يأتي :
١ ـ إن الثوار بقيادة زيد لم يكونوا من مذهب واحد ، وإنما كانوا يمثلون ائتلافا من مختلف المذاهب الإسلامية فقد «اجتمع طوائف الناس على اختلاف آرائهم على مبايعته فلم يكن المعتزلي أسرع إليها من المرجىء ولا المرجىء من الخارجي فكانت بيعته عليهالسلام مشتملة على فرق الأمة على اختلافها» (٣). وكذلك ذكر الأصبهاني أن الذين كانوا يختلفون إلى زيد ويبايعونه على الثورة من مختلف المذاهب أي من الشيعة وغيرهم (٤).
ومما يؤيد هذا أن زعيمي مذهبي السنّة والشيعة في ذلك الوقت قد أثنيا على الثورة ودعوا الناس بشكل مباشر أو غيره إلى نصرتها فقد «كان أبو حنيفة يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن
__________________
(١) انظر تاريخ ابن خلدون ١ / ٣٥٨ والروض النضير ١ / ١١٣ وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣ / ٣٢٢.
(٢) انظر المعتزلة والثورة ٦٧.
(٣) الحور العين ١٨٥ ـ ١٨٦.
(٤) انظر مقاتل الطالبيين ١٣٥ وانظر الروض النضير ١ / ١٣٠ ودائرة المعارف الإسلامية (مادة زيد) ١١ / ١١ (الطبعة العربية).