وهي (يا منصور أمت) فاجتمع الناس حوله. وفكر يوسف بن عمر في طريقة أخرى للتأثير في جماعة زيد ؛ فوجه أعوانه ليسألوا زيدا عن رأيه في الخليفتين الأول والثاني وكان يعلم علم اليقين أن أنصار زيد خليط من مختلف المذاهب ، وإثارة هذا السؤال سوف يبعث الشقاق في صفوفهم وبالفعل تخلف عنه جماعة عند ما رفض البراءة من الخليفتين. فبقي مع زيد ما يزيد قليلا عن المائتين ، وقاتل بهم زيد يومين. وأصيب بسهم في جبهته ولما حاول الطبيب إخراجه فاضت روحه رحمهالله.
وقرّر ابنه يحيى أن يدفنه ويخفى أثر قبره ، لعلمه بما يمكن أن يفعله الأمويون بجسده. فقرر أن يحفر له قبرا في ساقية ماء ويدفنه فيه وأهال عليه التراب ، وأجرى الماء في الساقية. لكن أحد أعوان يوسف بن عمر ويقال إنه الطبيب الذي أخرج السهم قد دلّ الوالي عليه ؛ فأخرجه من القبر ، وقطع رأسه وأرسله إلى هشام في دمشق. وكتب هشام له أن أصلب الجسد على خشبة عريانا (١).
وعند ما وصل الرأس إلى دمشق أمر هشام بنصبه على باب دمشق ردحا من الزمن. ثم أرسله إلى المدينة وأمر واليها أن ينصبه في المسجد الجامع وأن يحشد الناس ليروه ، كما أمر كل أقربائه وكبار رجالات المدينة بسب زيد والنيل منه ومن أعوانه ، ثم أرسل الرأس إلى مصر وطيف به فيها. ثم وضع في المسجد الجامع فسرقه المصريون ودفنوه في مسجد محرس الخصي الذي بين الكومين بمصر بطريق جامع ابن طولون وبركة الفيل (٢).
وأما الجسد فقد بقي مصلوبا عريانا عدا عورته فقد غطاها نسيج العنكبوت كرامة من الله له (٣) وبعد أن ثار ابنه يحيى في جوزجان ، أمر يزيد بن عبد الملك أن يحرق جسد زيد ، ويرمي رماده في نهر الفرات. وكان ذلك سنة مائة وست وعشرين وقيل سنة مائة وخمس وعشرين بعد أن بقي مصلوبا طوال هذه المدة (٤) وإنه وإن انتهت الثورة باستشهاده فقد أدّت دورها في زعزعة النظام الحاكم. وكانت حافزا لثورات شيعية أخرى أدّت آخر الأمر إلى سقوط الأمويين (٥).
__________________
(١) انظر قصة مقتله تاريخ الطبري ٧ / ١٨٠ ـ ١٩٠ ومقاتل الطالبيين ١٣٥ وما بعدها ومروج الذهب ٢ / ١٤٤ وتهذيب الكمال ١ / ٤٥٦ والكامل لابن الأثير ٥ / ٢٤٢ وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٢١٢ ـ ٢١٣ والحدائق الوردية ١ / ٣٢٠ والبدء والتاريخ المنسوب للبلخي ٥ / ٤٩ والمواعظ والاعتبار ٢ / ٤٣٩ والمقصد الحسن ١٨٠ والبداية والنهاية لابن كثير ٩ / ٣٣٠ ـ ٣٣١ والعقد الفريد ٤ / ٤٨٢ ـ ٤٨٣.
(٢) انظر المواعظ والاعتبار ٢ / ٤٣٦ والمقصد الحسن ١٨٠ والإشارات في الزيارات ٢٧.
(٣) انظر فوات الوفيات ٢ / ٣٧ وحياة الحيوان للدميري ٢ / ٤٤٠ والمواعظ والاعتبار ٢ / ٤٣٦.
(٤) انظر تهذيب الكمال ١ / ٤٥٦ والمقصد الحسن ١٨٠.
(٥) انظر تاريخ الشعوب الاسلامي لبروكلمان ١٥٧ حيث ذهب إلى أن هذه الثورة كانت فاتحة لسلسلة من الثورات ويبدو أنه نسي ثورة الإمام الحسين التي سبقتها.