غضون ذلك أرسل دعاته إلى مختلف المدن الإسلامية لدعوة الناس للثورة. وأرسل الرسائل إليها مع أنصاره تبين أهداف الثورة وأسبابها فجاء في إحدى الرسائل قوله : «عباد الله أجيبوا إلى الحق وكونوا أعوانا لمن دعاكم إليه ولا تأخذوا سنّة بني إسرائيل كذبوا أنبياءهم وقتلوا بيت أهل نبيهم» (١) ثم يذكر أسباب ثورته. وأنها من أجل إنقاذ الأمة من الظلم. وإعادة تطبيق الأحكام الإسلامية التي ترك العمل بها. وأن هشاما غيّر سنّة رسول الله. ثم يبين بعد ذلك هدف ثورته بقوله : «فمن سألنا عن عدوتنا فإنا ندعو إلى الله وإلى كتابه وإيثاره على ما سواه. وأن نصلّي الصلاة لوقتها. وأخذ الزكاة من وجهها. ودفعها إلى أهلها. وتنسك المناسك بهديها. ونضع الفيء والأخماس في مواضعها. ونجاهد المشركين بعد أن ندعوهم إلى الحنفية. وأن نجبر الكسير. ونفك الأسير. ونرد على الفقير. ونضع التجبر والعدوان والكبر ، وأن نرفق بالمعاهدين ، ولا نكلفهم ما لا يطيقون. اللهم هذا ما ندعو إليه ونجيب من دعا إليه ونعين ونستعين عليه ... فإنما ندعوكم إلى كتاب ربكم وسنّة نبيكم ...» (٢).
وبقي على هذا الحال مشغولا في الإعداد للثورة ويلتقي بمؤيديه ويستقبل من يفد عليه من أعوانه وأنصاره. وكان يعمل كل ذلك في سرية تامة. ولعل زواجه بامرأتين من قبيلتين مختلفتين كان سياسيا لتوثيق العلاقة بأنصاره من أقاربهما من جهة. وأن يجد ملجأ يختفي فيه من جهة أخرى. فقد كان كثيرا ما يغير مكان إقامته فينزل «في دار امرأته في الأزد مرة ، ومرة في أصهاره السّلميين ، ومرة عند نصر بن خزيمة في بني عبس ، ومرة في بني غبر ، ثم إنه تحول من بني غبر إلى دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري في أقصى جبانة سالم السلولي ، وفي بني نهد ، وبني تغلب عند مسجد بني هلال بن عامر» (٣).
لكن رغم كل هذا التخفي والحرص الشديد على سرية الثورة تمكن يوسف بن عمر أن يعلم بها قبيل موعد إعلانها. ووجه له هشام تعليمات مشددة في القسوة على الناس لاجهاض الثورة. وأن يستعمل في ذلك كل الأساليب الترغيبية والترهيبية. وأن يبدأ بأشراف القوم قبل السفلة (٤).
وكان من المقرر أن تبدأ الثورة في اليوم الأول من شهر صفر وشرع الثوار يستعدون لها ، لكن يوسف بن عمر اتخذ إجراءات للقضاء عليها قبل أسبوع فقط من موعدها. فأرسل إلى بعض قادتها وقتلهم وأمر الناس أن يدخلوا المسجد. وأوعد كل شخص يشاهد خارج المسجد الجامع بأنه سوف يعاقب بشدة وعند اجتماع الناس أقفل عليهم الأبواب. ومنعهم من المغادرة والاشتراك في الثورة. فاضطر زيد أن يقدم موعد الثورة. وأرسل دعاته لينادوا بكلمة السر ،
__________________
(١) تفسير فرات الكوفي ١٤١.
(٢) تفسير فرات الكوفي ١٤٢.
(٣) تاريخ الطبري ٧ / ١٧٢.
(٤) انظر تاريخ الطبري ٧ / ١٧٠.