وصلوا إلى منطقة يقال لها القادسية (١) أو الثعلبية (٢) اطمأن الجند إلى استمراره في طريقه فتركوه. ورجعوا إلى الكوفة ؛ فلحق به أهل الكوفة وطلبوا منه بالحاح أن يرجع إليهم. وعندها أخذ زيد يفكر في أمره. فيذكر تارة ما فعله أهل الكوفة بجده الحسين عليهالسلام وكيف دعوه وخذلوه ، وكذا ما نصحه به أخوه الأكبر وبعض من أولاد عمه بعدم الركون إلى أقوال أهل الكوفة. وتارة أخرى يفكر في أمور المسلمين وكيف دبّ الظلم والجور إلى تعامل الولاة معهم. وما شاهده من ابتعاد الحكّام عن بعض أحكام الإسلام. فترجحت عنده فكرة العودة والقيام بالثورة ، وهانت عليه نفسه أمام عظيم الهدف الذي يفكّر فيه «فكانت الشهادة أحب الميتات إليه» (٣). ومما جعله يرجح فكرة العودة أيضا أن الذين دعوه من أهل الكوفة هم من كبار العلماء والفقهاء والقرّاء والزّهاد ، وقد أعطوه المواثيق بنصرته فإما الموت معه أو النصر (٤).
فعاد إلى الكوفة «وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه ويبايعونه حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن ، والبصرة ، وواسط ، وخراسان ، والري ، وجرجان» (٥).
وكانت بيعته التي بايع عليها الناس «أن ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه (ص) ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإقفال المجمّر (٦). ونصرنا (٧) أهل البيت على من نصب لنا وجهل حقنا. أتبايعون على ذلك ، فإذا قالوا : نعم ، وضع يده على يده ، ثم يقول : عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله ، لتفين ببيعتي ، ولتقاتلن عدوي ، ولتنصحن في السر والعلانية فإذا قال : نعم مسح يده على يده ، ثم قال : اللهم اشهد» (٨).
وبقي يبايع الناس بضعة عشر شهرا في الكوفة عدا شهرين ذهب خلالهما إلى البصرة وفي
__________________
(١) مدينة في العراق سميت باسم شخص يقال له قادس من أهل خراسان أو هراة وقيل غير ذلك وبينها وبين الكوفة.
(٢) خمسة عشر فرسخا انظر معجم ما استعجم ٣ / ١٠٤٢ والمشترك وضعا والمفترق صقعا ٣٣٧.
منزل يقع في الطريق بين الكوفة ومكة ينزل به المسافرون انظر معجم البلدان ٢ / ٧٨.
البيان والتبيين ١ / ٣١٠.
(٣) انظر تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٢٦ وتاريخ الطبري ٧ / ١٦٦ وما بعدها ومقاتل الطالبيين ١٣٥ والكامل لابن الأثير ٥ / ٢٣٤.
(٤) مقاتل الطالبيين ١٣٥ وانظر تاريخ الطبري ٧ / ١٧١ والكامل لابن الأثير ٥ / ٢٣٤ والفخري ١١٨.
(٥) يقال جمر الأمير الجيش إذا اطال حبسهم بالثغور ولم يأذن لهم في العودة. انظر لسان العرب (جمر) ٥ / ٢١٧.
(٦) في الكامل لابن الأثير نصر أهل البيت انظر ٥ / ٢٣٣ وكذا في نهاية الأرب ٢٥ / ٣٩٧ والمواعظ والاعتبار ٢ / ٤٣٨.
(٨) تاريخ الطبري ٧ / ١٧٢ ـ ١٧٩ وانظر الكامل لابن الأثير ٥ / ٢٣٣ ونهاية الأرب ٢٥ / ٣٩٧ والمواعظ والاعتبار ٢ / ٤٣٨.