وسلطان من جهة. وأن يشاهد كل هذا الحشد من الناس زيدا وهو يهان ؛ فيقل احترامه في نفوسهم من جهة أخرى.
وسأل هشام زيدا عن الأموال التي ادعى أن خالدا القسري قد أودعها عنده فأنكر زيد وقال له : «أحلف لك. فقال : وإذا حلفت أصدقك؟ قال زيد : اتّق الله. قال أو مثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى الله؟ قال زيد : لا أحد فوق أن يوصى بتقوى الله ، ولا دون أن يوصي بتقوى الله. قال هشام : بلغني أنّك تريد الخلافة ، ولا تصلح لها ، لأنك ابن أمة. قال زيد : فقد كان إسماعيل بن إبراهيم (ص) ابن أمة ، وإسحاق عليهالسلام ابن حرة ، فأخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم محمدا (ص). فعندها قال له : قم. قال : إذن لا تراني إلّا حيث تكره! ولما خرج من الدار قال : ما أحب أحد الحياة قط إلّا ذلّ. فقال له سالم مولى هشام : لا يسمعن هذا الكلام منك أحد» (١).
وأمر هشام أن يرسل زيد إلى العراق لكي يقابل خالدا القسري في دعوى وجود الأموال عنده. فلما وصل زيد إلى الكوفة أمر يوسف بن عمر بإحضار خالد وجيء به «وعليه حديد ثقيل فقال له يوسف هذا زيد بن علي ، فاذكر ما لك عنده! فقال والله الذي لا إله إلّا هو ما لي عنده قليل ولا كثير ، ولا أردتم بإحضاره إلا ظلمه» (٢) أو قال على رواية أخرى : «أتريد أن تجمع مع إثمك فيّ إثما في هذا! وكيف أودعه مالا ؛ وأنا اشتمه واشتم آباءه على المنبر» (٣).
وكان هشام بن عبد الملك قد كتب إلى واليه على الكوفة أن لا يبقى زيد فيها ويستعجله بالعودة إلى المدينة لعلمه بحب أهل الكوفة لآل البيت ومشايعتهم. ومعرفته بمقدرة زيد العلمية ، وقدرته على الاقناع والتأثير في الآخرين لكونه «حلو اللسان شديد البيان خليقا بتمويه الكلام ، وأهل العراق أسرع شيء إلى مثله» (٤). أو قال ـ في رواية أخرى ـ لواليه : «إن أشخص زيدا إلى بلده ، فإنه لا يقيم ببلد غيره فيدعو أهله إلّا أجابوه» (٥).
وبدأ يوسف بن عمر يحثّ زيدا على العودة إلى المدينة المنوّرة. وتعلل زيد بوجود أشغال عنده في الكوفة فأخذ يلح عليه وأرسل معه الجند ليراقبوه حتى لا يعود خفية إلى الكوفة. ولما
__________________
(١) البيان والتبيين ١ / ٣١٠ وانظر هذه القصة في تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٢٥ وتاريخ الطبري ٧ / ١٦٥ ومروج الذهب ٢ / ١٤٣ والارشاد ٢٦٨ وزهر الآداب ١ / ١١٨ والكامل لابن الأثير ٥ / ٢٣٢ والحدائق الوردية ١ / ٣١٧ وما بعدها وعمدة الطالب ٣ / ٢٥٥ ونهاية الأرب ٢٥ / ٣٩٦ والمواعظ والاعتبار ٢ / ٤٣٧ وعيون الأخبار ١ / ٢١٢ وما بعدها وأعلام الورى للطبرسي ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٢٥ وانظر تاريخ الطبري ٧ / ١٦٢.
(٣) تاريخ الطبري ٧ / ١٦٦ ـ ١٦٧ والكامل لابن الأثير ٥ / ٢٣٠ والبداية والنهاية ٩ / ٣٢٧.
(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٢٥.
(٥) تاريخ الطبري ٧ / ١٦٨.