وقد وصلت أخبار زيد ودعوته للناس لإنكار الظلم والخروج على الخليفة إلى هشام بن عبد الملك. فقرر أن يستدعيه إلى دمشق ويمارس ضده كل الوسائل من إهانة وتهديد ، أو وعود وترغيب علّ واحدة منهما تثني الرجل عن عزمه ، وتثبطه عما قرر القيام به.
وكان لا بد لهشام من أن يعلن سببا أمام الرأي العام لاستدعاء زيد من المدينة المنورة إلى الشام فادّعى أن خالدا القسري الوالي السابق على العراق قد أودع عند زيد وجماعة مالا. ولعل هذا الأمر قد تمّ بالاتفاق مع واليه الجديد على العراق يوسف بن عمر (١).
ولو افترضنا أن خالدا القسري قد ادعى فعلا أن له مالا عند زيد أو أنه أودع عنده. وأن هذا السبب هو الوحيد الذي دعا هشاما لاستدعاء زيد ؛ فكان عليه أن يأمر جنده بأن يرسل من المدينة إلى العراق مباشرة ـ وبخاصة إذا ما عرفنا أن الطريق أيسر وأقصر ـ دون الحاجة إلى المرور بدمشق. لكن هشاما أمر جنده بإحضاره إلى الشام أولا فلا بد أن يكون هناك سبب آخر لم يعلنه دفعه لإحضاره إليه (٢).
فاستقدم زيد إلى الشام وعند وصوله إليها أمر هشام حجّابه بأن لا يدخوله عليه. وأخذ يرجئه يوما بعد آخر. كل ذلك من أجل إهانته وإبقائه بعيدا عن أنصاره. وهذا سبب آخر يجعلنا نرجح كون دعوى وجود الأموال عنده صورية. وإلّا لقابله فور وصوله ، وأكرمه ، وأحسن وفادته. وبخاصة أن هشاما يعرف منزلة زيد ومكانته بين قومه وقريش.
ولم تذكر لنا المصادر مدة بقائه في الشام بالضبط لكن صاحب كتاب الحدائق الوردية نقل رواية تقول بأن زيدا انتهز فرصة وجوده في الشام لإلقاء محاضرات في تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة دامت خمسة أشهر (٣).
وأخيرا وافق هشام على إدخال زيد عليه وإمعانا منه في إهانته ، أمر أن يكون مجلسه ذلك اليوم حاشدا بالشاميين ومن وفد إليها من غيرها من الأمصار من أجل أن لا يجد زيد مكانا يناسبه يجلس فيه ؛ فاضطر زيد إلى الجلوس حيث انتهى به المجلس (٤).
ولعل هشاما كان يقصد بذلك إضافة إلى المهانة إرهاب زيد بأن يريه ما لديه من قوة
__________________
(١) انظر تاريخ الطبري ٧ / ١٦٠ وما بعدها والكامل لابن الأثير ٥ / ٢٢٩ وما بعدها وقد فطن ابن الطقطقي في أن دعوى هشام كانت تهمة وليس بواقع أنظر الفخري ١١٨.
(٢) ذكرت المصادر روايات أخرى لقدوم زيد منها خلافه مع أولاد عمه على وصية ومنها ذهب ليطلب أموالا من هشام وهذه الأقوال مخالفة لمن يعلم طبيعة زيد وسلوكياته ثم لماذا أرسل إلى العراق إذا كان مجيئه لعمل خاص به مع الخليفة أنظر هذه الأقوال في تاريخ الطبري ٧ / ١٦١ وما بعدها والكامل لابن الأثير ٥ / ٢٢٩ وما بعدها والحدائق الوردية ١ / ٣١٦ وما بعدها.
(٣) انظر الحدائق الوردية ١ / ٣٠٩ ـ ٣١٠.
(٤) انظر مروج الذهب للمسعودي ٢ / ١٤٣.