لا يقال : إن لم يكن حسنا ولا قبيحا ، فإمّا أن يكون مشتملا على مصلحة أو مفسدة ، ويلزم الأمر بالمفسدة ، والنهي عن المصلحة.
لأنّا نقول : إنّه مبنيّ على رعاية الحكمة ، في أفعاله تعالى ، ونحن لا نقول به ، بل يجوز أن يكون الأمر والنهي لا لمصلحة ولا لمفسدة وإن سلّم عدم خلوّه من المصلحة والمفسدة ، لكن لا نسلّم أنّه يلزم منه الأمر بالمفسدة والنهي عن المصلحة ، بل جاز أن يقال : إنّه مشتمل على المصلحة حالة الأمر ، ومشتمل على المفسدة حالة النّهي ، ولا مفسدة حالة الأمر ، ولا مصلحة حالة النّهي.
وأيضا لو سلّم الحسن والقبح ، لكن كما يحسن الأمر والنهي لحكمة تنشأ من المأمور به والمنهيّ عنه ، فقد يحسنان أيضا لحكمة تتولّد من نفس الأمر والنهي ، فإنّ السيّد قد يقول لعبده : اذهب إلى القرية غدا راجلا ، وغرضه حصول الرّياضة في الحال ، وعزمه على أداء ذلك الفعل ، وتوطين النفس عليه ، مع علمه بأنّه يسقط عنه غدا.
والأمر بالفعل إنّما يحسن إذا كان كلّ من المأمور به ، والأمر منشأ المصلحة ، فلو كان المأمور به منشأ المصلحة دون الأمر أو بالعكس ، لم يكن الأمر به حسنا ، فالآمر لما أمر كان كلّ منهما (١) منشأ المصلحة ، فحسن منه الأمر.
__________________
(١) الضمير يرجع إلى المأمور به ونفس الأمر.