الإمام صحّة القبيح عن المكلّف وإمكانه منه ، فلو كان الإمام كذلك افتقر إلى إمام آخر ، فثبت أنّه لا بدّ في زمان التكليف من إمام معصوم ، فكان الإجماع حجّة ، لأنّه مهما اتّفق قول العلماء على حكم فلا بدّ وأن يوجد في أثناء قولهم قول ذلك المعصوم ، لأنّه سيد العلماء ، وقوله حقّ ، فإذن إجماع الأمّة يكشف عن قول المعصوم الّذي هو حقّ.
وظهر بهذا أنّ العلم بكون الإجماع حجّة لا يتوقّف على العلم بالنبوّة أصلا ، وأنّ إجماع كلّ الأمم حجّة ، كما أنّ إجماع أمّتنا حجّة.
والاعتراض لا نسلم أنّ الخلق إذا كان لهم رئيس يمنعهم من القبائح ويحثّهم على الطاعات كانوا أقرب إليها ممّا إذا لم يكن هذا الرئيس ، لأنّكم تزعمون أنّه تعالى ما أخلى العالم قطّ من رئيس ، فقولكم : «وجدنا العالم متى خلا من رئيس حصلت المفاسد» باطل ، لأنّهم إذا لم يجدوا العالم خاليا ، كيف يمكنهم قول : إنّا وجدنا العالم متى خلا عن الإمام حصلت المفاسد ، بل الذي جرّبناه انّ الإمام إذا كان خائفا حصلت هذه المفاسد لكنّكم لا توجبون ظهوره وقوله.
سلّمنا إمكان هذه التجربة ، لكنّا نقول : تدّعون اندفاع هذه المفاسد بوجود الرئيس كيف كان ، أو بوجود رئيس قاهر على الأمم؟ الأوّل ممنوع والثاني مسلّم ، واستقراء العرف إنّما يشهد بالثاني ، لأنّ الانزجار انّما يحصل من السلطان القاهر دون الضّعيف ، بل الغائب الذي لا يعرف في الدّنيا خبره لا يحصل الانزجار به ، وأنتم لا توجبون الأوّل بل الثاني ، وهو غير لطف.