انصرفوا إلى تعليم الناس معالم دينهم وتوجيه أتباعهم التوجيه الديني العالي ، وكل الثورات التي حدثت في عصرهم من العلويين وغيرهم لم تكن عن إشارتهم ورغبتهم (١) ، بل كانت كلها مخالفة صريحة لأوامرهم وتشديداتهم ، فإنهم كانوا أحرص على كيان الدولة الإسلامية من كل أحد حتى من خلفاء بني العباس أنفسهم.
وكفى أن نقرأ وصيّة الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام لشيعته : «لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم فإن كان عادلا فاسألوا الله بقاءه ، وإن كان جائرا فاسألوا الله إصلاحه ، فإنّ صلاحكم في صلاح سلطانكم وانّ السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم ، فأحبّوا له ما تحبّون لأنفسكم ، وأكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم» (٢).
وهذا غاية ما يوصف في محافظة الرعيّة على سلامة السلطان أن يحبوا له ما يحبّون لأنفسهم ، ويكرهوا له ما يكرهون لها.
وبعد هذا ، فما أعظم تجنّي بعض كتّاب العصر ، إذ يصف الشيعة بأنهم جمعيّة سرية هدّامة ، أو طائفة ثوريّة ناقمة. صحيح أن من خلق الرجل المسلم المتّبع لتعاليم آل البيت عليهمالسلام بغض الظلم والظالمين ، والانكماش عن أهل الجور والفسوق ، والنظرة إلى أعوانهم وأنصارهم نظرة الاستنكار والاستحقار ، وما زال هذا الخلق متغلغلا في نفوسهم يتوارثونه جيلا بعد جيل. ولكن مع ذلك ليس من شيمتهم الغدر والختل ، ولا من طريقتهم الثورة والانتفاض على السلطة الدينية السائدة باسم الإسلام ، لا سرّا ولا علنا ، ولا يبيحون لأنفسهم الاغتيال أو الوقيعة بمسلم مهما كان مذهبه وطريقته ، أخذا بتعاليم أئمتهم عليهمالسلام ، بل المسلم الذي يشهد الشهادتين ، مصون المال ،
__________________
(١) ما قاله المصنف (قدسسره) غير صحيح بإطلاقه ، إذ كثير من الثورات الشيعية التي أقضّت مضاجع بني أمية وبني العبّاس كانت ممضاة من الأئمة عليهمالسلام لما فيها من الأثر الجميل على الواقع الاجتماعي والسياسي لحظ آل البيت ، ولما فيها من إبراز مظلوميتهم وما جرى عليهم من طواغيت زمانهم ، لا سيما ثورة المختار المباركة وثورة زيد الشهيد وثورة فخ وغيرها من الثورات المقدّسة التي قادها رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
(٢) الوسائل : كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : ج ١١ ح ١ الباب ٢٧.