يدلّ على وجود تناسخ ، ضرورة أن الاختلاف (لو فرض فإنما هو في الهيئة وتلطيف البدن العنصري الدنيوي في عالم الآخرة) لازم لحصول السنخية والجنسية كي يشابه الجنة والحور والغلمان ، فلا مانع من أن يكون الالتذاذ والتألم بهذا الجسد الدنيوي في عالم الآخرة بوجه ألطف ، وما ورد في بعض النصوص من حشر بعض الناس يوم القيامة على صور البهائم فلا يعدّ من التناسخ ـ كما توهّم التناسخيون ـ وإنما هو عبارة عن حشر بصورة حيوان ، وهذا من قبيل دخول الإنسان في جلد الأسد مثلا ويظنّ أنه أسد ، وبعد خروجه من جلد الأسد انكشف أنه إنسان ، فبعض الناس من هذا القبيل ، حيث يكون باطنهم حيوان حقيقة لكنها كانت مختفية في الدنيا وتظهر يوم تبلى السرائر.
وبعبارة موجزة : إنّ التناسخ شيء وحشر البشر بصورة حيوان يوم القيامة شيء آخر. ولتوضيح حقيقة التناسخ التي اقحمها أصحابها بمسألة المعاد ، لكن في الدنيا لا في الآخرة ، أحببت التحدث مجملا عنها ليكون الطالب على بصيرة منها ، وأما التفاصيل فتركتها للبحوث الخاصة بها.
أقول :
إن نظرية التناسخ أو التقمص من البحوث التي دار الجدل فيها قديما وحديثا ، لكنّها اليوم أخذت حيّزا لا بأس به في أوساطها ، واتخذت لنفسها منحى آخر في عالم الروح بين الأوروبيين عموما ، وفي مناطق محدودة في العالم العربي خصوصا ، لا سيما لبنان وسوريا حيث فيهما من يعتقد بالتقمص أو التناسخ ، وأخص بالذكر «الدروز».
والمهم أن هذه النظرية أخذت حيّزا هاما في المجتمع الغربي ، حيث يغدق عليها الأموال الطائلة ، وبالأخص الأعلام الأميريكي حيث تقام لأجلها الأفلام بين الحين والآخر ، ولعلّ المبرّر لذلك يرجع إلى الإفلاس الروحي الّذي تعاني منه المجتمعات الأوروبية والأميركية ، فألجأتهم الضرورة إلى تبنّي مذهب التناسخ الذي ترجع جذوره إلى زمن بعيد.
فالمجتمع الأوروبي من خلال تبنّيه لمذهب التناسخ رأى فيه علاجه الوحيد لمجتمعه الموبوء بتفسخ الأخلاق والإباحية الجنسية ، ولما في هذا المذهب من أفكار سخيفة واهية تتنكر للدين ولرسالات السماء ، وهذا مما يناسب الفكر المادي الذي تسير من خلاله الحضارة المادية بشقيها «الأوروبي والأميركي» لذا