نبحث في المعاد الجسماني عبر نقاط بإيجاز :
النقطة الأولى :
إننا ذكرنا في بحث سابق : أن الإنسان مركّب من روح وبدن ، وقد أوردنا هناك بعض الأدلة على بقاء الروح.
ونزيده هنا توضيحا فنقول :
إنّ الباحثين والفلاسفة سواء من الشيعة والسنّة أم غيرهم من المليين لهم نظريات متفاوتة في حقيقة الروح ، والروح والبدن ـ بنظر الإسلام ـ هما حقيقتان متضادتان ، ليس أحدهما من سنخ الآخر ، فالبدن يختلف تماما عن الروح بكل تفاصيلها ، حيث يفقد خواص الحياتية بالموت ويضمحل بصورة تدريجية ، وهذا بعكس الروح ، فإنّ الحياة أصالة للروح ، وما دامت في الجسم فإنه يستمد حياته منها ، وعند ما تفارق الروح البدن وتقطع علاقتها به لا يقوى البدن على القيام بأي عمل إلّا أن الروح تستمر في حياتها.
ومن خلال التدبّر في آيات الكتاب وأخبار أهل بيت العصمة عليهمالسلام يستنبط أنّ الروح الإنسانية ـ كما قررته أدلّة العقل أيضا ـ غير مادية ، ولكنّها تنشئ نوعا من العلاقة والوحدة مع الجسم كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٤) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون / ١٣ ـ ١٥).
يتضح من سياق الآيات وجود شيئين متمايزين :
أحدهما : يتصف بالخلقة المادية بشكلها التدريجي.
وثانيهما : يتصف بخلقة أخرى يختلف تماما عن الخلقة الأولى ، ليست سوى أمر روحي ذي شعور وإرادة وإدراك.
وفي آية أخرى : قال تعالى :
(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (السجدة / ١٢).
فهي في معرض الردّ على من استبعد المعاد أو أنكره فجاءهم الجواب أن ملك الموت يقبض الأرواح من الأبدان وتحفظ عنده تعالى.