الهدى عليهمالسلام بالقطع عليهم بالخلود في النار ، والتدين بلعنهم والبراءة منهم إلى آخر الزمان ، كل هذا منع من الشك في حالهم ، وأوجب القطع على سوء اختيارهم ، وهم في ذلك كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الأنعام / ١١٢).
أي ما كانوا ليؤمنوا إلّا أن يلجئهم الله تعالى إلى ذلك. وقوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (الأنعام / ٢٩).
ثانيا : إنّ رجوع الكافرين إلى الدنيا للانتقام منهم ليس من أجل أن يكلفهم بتكليف جديد بل هو استمرار لعملية التعذيب نتيجة ما ارتكبوه سابقا من موبقات وجرائم ، فلا يقبل لهم توبة وجروا في ذلك مجرى فرعون لمّا أدركه الغرق قال تعالى حكاية عنه : (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس / ٩١) فرد عليه الله سبحانه بقوله : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس / ٩٢).
إذن ردّ عليه سبحانه إيمانه ولم ينفعه في تلك الحال ندم ، تماما كأهل الآخرة حيث لا يقبل سبحانه منهم توبة وندم لأنهم كالملجئين ، ولأنّ الحكمة تمنع من قبول التوبة أبدا. وهذا تماما كقوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً ...) (الأنعام / ١٥٩).
التساؤل الثالث :
إنّ الذين يرجعون للدنيا ربّما يهمّون مجددا إلى المعاصي أو ليس هذا إغراء بالقبيح؟
الجواب :
إنّ الدواعي لهم إلى المعاصي مرتفعة ولا يحصل لهم داع إلى قبيح على وجه من الوجوه ، ويعلمون في الحال أنّهم معذّبون على ما سبق لهم من العصيان وأنهم إن راموا فعل القبيح تزايد عليهم العقاب.
أضف إلى ذلك أنّ رجوعهم للاقتصاص منهم ، فهم ملجئون لا مكلّفون وهم تماما كغيرهم في البرزخ يصرخون قائلين : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٧) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما