الذي من جملته وجود الشرع والشارع ، ووجود ما به يكون النظام على وجه الصواب.
وهذا ما قاله في الشفاء : أن العناية الإلهية تقتضي المصالح التي لها منفعة ما ، كإنبات الشعر على الأشفار والحاجبين وتقصير الأخمص من القدمين ، فكيف لا يقتضي المنفعة التي هي في محل الضرورة للبقاء ولتمهيد نظام الجزء وأساس للمنافع كلها (١).
قال بعضهم : وهذا الكلام وإن كان في حقّ النبي ، لكنّ المراد في المقام المبين لتلك القوانين والرئيس المطلق الذي هو الأعمّ من النبي والذي بيده هذه القوانين الذي يحتاج إليه ، مهما كانت الحاجة باقية ، وبيان القانون في الجملة في عصر مع تشتت الصور والفروع الجزئية للأصول الكلية وتشابه الصور وتماثل الكيفيات لا يكتفي به ، وإلّا لاكتفى الباري بنبي واحد مع أن من الشاهد والعيان اختلاف الآراء وغلبة الهوى والمقاصد الفاسدة في الخلق ، فلا بد في كل عصر من الرئيس الذي هو معنى الإمام في كل عصر وأوان ، ما كانت الخلق على هذه الطبيعة الداعية لتأسيس هذا القانون ولهذا ترى الرسل تترى ، والأنبياء تترادف ، وكذلك الأوصياء في كل عصر وأوان (٢).
جهة التكليف :
وبيانها : أن خلقة الإنسان ليست للتعيّش في الدنيا والجهتان السابقتان ، أي : التمدّن والسياسة وإقامة الشرع لانتظام الأمر في الخليقة إنما تكونان لأمر آخر هو المقصود الأصلي في الخلقة ، وهو معرفة الباري ، والإتيان بما يحبّه ويرضيه ، كي يصل ذلك إلى درجات عالية في الدنيا والآخرة ، وتحصيل مرضاته وطريق عرفانه لا يمكن إلّا بتلقين من الله تعالى ، وتلقّيه الأحكام من طرق العلم والعمل ، ولا يتيسّر ذلك إلا لمن له ربط تام بالمبدإ ، وله ارتباط بالخلق يتلقى الأحكام والأوامر والنواهي من الخالق ، أو مرتبط بالمتلقي والمبلّغ إلى الخلق وهذا هو النبي والإمام ، ولا يكتفي في ذلك بالنبي في عصر ، بل لا بد في كل الأعصار من مبلّغ وحافظ بلا شبهة ، لجهل الناس في هذه المرحلة جهلا تاما لا يكاد يمكن الإحاطة بها.
__________________
(١) الشفاء باب الإلهيات : ص ٤٤١.
(٢) الإمامة : ص ٨٩.