المأكل والمشرب والملبس والمسكن ، وما يدفع به المضار عن نفسه من ضرر السباع والأنفس، إلى غير ذلك من موارد حاجاته باختلاف أنواعها ، فإنّ المريض يحتاج إلى غذاء مخصوص وإلى أدوية مخصوصة وكذلك الطفل في بعض حالاته ، والإنسان في الصيف والشتاء يحتاج إلى ألبسة مخصوصة وسراويل تقيه الحرّ والبرد ، ومن هذا القبيل حاجته إلى مسكن يأوي إليه.
ثم إنّ هذه حاجاته القريبة ، وله حاجات بعيدة مقدمة لحاجاته القريبة كالتجارة والزراعة لتحصيل المعاش ، وكل ذلك يحتاج إلى ممد ومعاون واجتماع أنفس وأسباب تحتاج تلك الأنفس إلى مقدمات أخر.
ثمّ إن بقاء النوع في العالم يتوقف على نكاح وازدواج وقد خلق في طبيعته الشهوات الكثيرة لإبقاء نفسه وإبقاء نوعه فخلقت فيه شهوة الطعام والشراب والنكاح والزواج وخلقت فيه القوة الغضبية لدفع المضارّ ، وجعل لكل ذلك آلات وأدوات لجلب المنافع ودفع المضارّ والمؤذيات ، وجميع ذلك محتاج إلى اجتماع أنفس كثيرة مع اختلاف الشهوات وكون القوى المذكورة في الجميع على حدّ الشخص الواحد ، وكل في شهواته يريد تحصيل مقصوده منها ، وإن لم يتحصل مقصوده الآخر ، فيقع الاختلاف وبه يظهر الفساد فلا بد من شخص سالم عن المقاصد الفاسدة ، رابح للمقاصد العامة والمصالح الشاملة للجميع ، يحفظ كل واحد عن التعدي على حدّه والظلم لغيره ، ويحفظ النوع عن الفساد والاختلاف ، ويمنع التعدي على غيره عن المجاوزة عن حدّه وأخذ حقّ غيره ، حتى يكون به النظام وفي يده هذا الزمام ، ويكون حكمه العدل والإنصاف ، مانعا من وقوع الاختلاف ، وسببا للايتلاف ، ذا ملكة قدسيّة لا يميل إلى هوى ولا إلى طرف دون طرف ، ولا يجتلب إلى نفسه ولا إلى غيره من الأفراد ما يمنع عن غيره ، وهو الإمام العادل في الرعية القاسم بالسوية.
جهة الشرع :
بيانها : ان التمدن للإنسان في أكثر الحالات وحاجته في تعيّشه إلى اجتماع الأنفس والأدوات ، وكون موارد الحاجات لا بدّ لها من الاختصاص والاشتراك. وإن اختلفت الحيثيات ، وهذا الاختصاص قد يقع بين الأشخاص ، كالمواريث والممتلكات وجملة المشتركات وهكذا ، وقد يقع الالتباس لأهل الاختصاص ، ثم قد لا يدرون كيفية الانتفاع من موارد الحاجات والمشتهيات من المناكح والمذابح