إليه وطاعة أوامره ، وتلقنهم في مضامين عبارات الزيارات البليغة الواردة عن آل البيت حقيقة التوحيد والاعتراف بقدسيّة الإسلام والرسالة المحمدية ، وما يجب على المسلم من الخلق العالي الرصين والخضوع إلى مدبّر الكائنات وشكر آلائه ونعمه ، فهي من هذه الجهة تقوم بنفس وظيفة الأدعية المأثورة التي تقدم الكلام عليها ، بل بعضها يشتمل على أبلغ الأدعية وأسماها كزيارة «أمين الله» وهي الزيارة المرويّة عن الإمام زين العابدين عليهالسلام حينما زار قبر جدّه أمير المؤمنين عليهالسلام.
كما تفهّم هذه الزيارة المأثورة مواقف الأئمة ٣ وتضحياتهم في سبيل نصرة الحق وإعلاء كلمة الدين وتجردهم لطاعة الله تعالى ، وقد وردت بأسلوب عربي جزل ، وفصاحة عالية ، وعبارات سهلة يفهمها الخاصة والعامة ، وهي محتوية على أسمى معاني التوحيد ودقائقه والدعاء والابتهال إليه تعالى. فهي بحقّ من أرقى الأدب الديني بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة والأدعية المأثورة عنهم ، إذ أودعت فيها خلاصة معارف الأئمة ٣ فيما يتعلق بهذه الشئون الدينية والتهذيبية.
ثمّ إنّ في آداب أداء الزيارة أيضا من التعليم والإرشاد ما يؤكّد من تحقيق تلك المعاني الدينية السامية : من نحو رفع معنوية المسلم وتنمية روح العطف على الفقير ، وحمله على حسن العشرة والسلوك والتحبّب إلى مخالطة الناس. فإنّ من آدابها ما ينبغي أن يصنع قبل البدء بالدخول في المرقد المطهر وزيارته.
ومنها ما ينبغي أن يصنع في أثناء الزيارة وفيما بعد الزيارة ، ونحن هنا نعرض بعض هذه الآداب للتنبيه على مقاصدها التي قلناها.
١ ـ من آدابها : أن يغتسل الزائر قبل الشروع بالزيارة ويتطهّر ، وفائدة ذلك فيما نفهمه واضحة ، وهي أن ينظف الإنسان بدنه من الأوساخ ليقيه من كثير من الأمراض والأدواء ، ولئلّا يتأفف من روائحه الناس (١) ، وأن يطهّر
__________________
(١) قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «تنظفوا بالماء من الريح المنتنة وتعهدوا أنفسكم ، فإنّ الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأفف من جلس إليه» تحف العقول : ص ٢٤.