شغاف قلبه ، فكذلك النفس أو العقل إذا تصورا بصورة الحب أو نطقا بصورة المعرفة وبألفاظها وآثرا ربّهما على كل من سواه واقعا ليسا بحبيبين ولا عارفين ولا مؤثرين له سبحانه البتة وإنما ذلك طباع الفؤاد وشأنه وسجيته إن كان موجودا في الرجل كانت هذه الأمور فيه بالحقيقة وإلّا فهي بالصفة من هذا القبيل قوله تعالى :
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فالإسلام غير الإيمان ، وإلّا لو كانا واحدا لما فصل بينه وبين الإيمان ، وقد مدح قوما تحقق فيهم روح الإيمان فقال : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) وقال : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) وقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ).
فالدرجة الدنيا إذا اتّصفت بالصفة العليا بالمجاهدة تسمّى مسلمة إذا أسلمت وانقادت وليست بمؤمنة وإنما الإيمان طباع روح الإيمان لا غير فإن تابوا وأقاموا الصلاة فإخوانكم في الدين ومواليكم ، فافهم.
فإذا عرفت ذلك فعلى المرء أن يجاهد في إصلاح القابلية التي في مكنته حتى يمنحه الله ما في صنعه ، فلأجل ذلك لا ينتفع أغلب الناس بعلومهم وبمعارفهم وإظهارهم المحبة ، ولا يورث صورة علمهم ولا صورة معارفهم حبّا أبدا وإن هم فيها إلّا كالببغاء أو كالنقش في الحائط والصنم ، آه آه كم من صنم نحتناه وكم من صورة بلا معنى نقشناها ، فعفوك عفوك يا الله.
والأخبار في معنى الحب والبغض في الله تعالى كثيرة منها ما رواه البرقي (قدسسره) في المحاسن :
١ ـ عن حمّاد بن عيسى عن حريز بن عبد الله السجستاني عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحب والبغض ؛ أمن الإيمان هو؟ قال : وهل الإيمان إلّا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الآية : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (١).
٢ ـ عن أحمد بن أبي نصر عن صفوان الجمّال ، عن أبي عبيدة زياد الحذّاء
__________________
(١) محاسن البرقي : ص ٢٦٢ ح ٣٢٦ كتاب مصابيح الظّلم.