بالرياضات والمجاهدات رجاء أن يحدث الله فينا تلك الأرواح ، وهذا من الفلسفة الإلهية العلوية ألم يقل أمير المؤمنين عليهالسلام : «... إذا اعتدل طباعه صفا مزاجه ومن صفا مزاجه قوي أثر النفس فيه ، ومن قوي أثر النفس فيه سما إلى ما يرتقيه ، ومن سما إلى ما يرتقيه فقد تخلّق بالأخلاق النفسانية ، ومن تخلّق بالأخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري وليس له عن هذه الغاية مغير ...». وقال عليهالسلام في حديث آخر :
«... خلق الإنسان ذا نفس ناطقة إن زكّاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد».
وطريق تحصيل الحب النظر في إحسان الله إليه أولا فإنّ القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ثم التفكّر في أنواره وجماله وحسن خلقته وحكمته وحسن ما دعا إليه وحسن أوليائه وأنبيائه وكمالاته وكمالاتهم ، فإن القلوب مجبولة على حبّ الجميل والكامل.
والمعرفة والحب والتقرّب من عمل الفؤاد وكل ما سواه من المراتب إذا حصل مثل ذلك بالرياضة والمشقة والتطبع فليس بمعرفة حقيقة ولا حب ولا تقرّب ، وإنما هي صور ، كما أنّ الحمار إذا ذهب به إلى مكة فلم يقصد الحمار مكة ولم يحج وليس له ثواب الذهاب إلى مكة وإن كان صورة عمله الذهاب إلى مكة كذهاب الإنسان ، والثواب للراكب بالذات وإن نال الحمار نائل فهو بالعرض والتبع ، كذلك أرباب العقول فهم وإن تكلفوا المعرفة والحب والقربة وإيثار المحبوب والإعراض عمّا سواه وصرف جميع العمر في خدمته والتوكل عليه والرضا والتسليم له وكل ما هو شأن الفؤاد فإنما جميع ذلك نفخ في غير ضرام ولا أجر له ولا ثواب إلّا شيء قليل وليس ما حصل بمعرفة ولا حب ولا قربة ولا إيثار وإنما ذلك كتمثل البدن بمثال الخائف وليس بخائف ، ألا ترى أنّ من منع عينه الرقاد وقصر نظره على رجل وتعمد ترك الأكل والشرب حتّى نحل بدنه واصفرّ لونه ولم يحوّل عينه عنه ولزمه لزوم الظل لذي الظل ، وتنفس كل ساعة صعداء وترك الأهل والأولاد وجميع أهل الوداد عمدا وقصر نظره على ذلك الرجل أنه لا يكون محبّا ولا عاشقا له البتة ما لم يكن في نفسه حبّ غالب بالغ